رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"هيئة الاستعلامات".. الكومبارس الصامت في صدام مصر مع العالم.. تركت "الخارجية" فريسة هجوم الغرب.. حادث ريجيني فضح دورها المخزي.. وخبراء: نظام مبارك وراء إخفاقها

جريدة الدستور

منذ إنشائها للمرة الأولى عام 1954، كانت الهيئة العامة للاستعلامات بمثابة البوق الإعلامي لمصر في الخارج، والمرآة العاكسة لسياستها الخارجية وأوضاعها الداخلية، إلا أن هذا الدور شهد تخاذلًا مخيبًا لآمال الشعب المصري خاصة في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو.

فعلى مدار الأعوام الثلاث الماضية، شهدت مصر عددًا لا يستهان به من الأزمات السياسية، الداخلية منها والخارجية، التي عكست صورًا محل إنتقاد خاصة على الصعيد الدولي، لاسيما في ظل غياب دور الهيئة الأولى المعنية بتصحيح الأمر لدى المجتمع الغربي ألا وهي الهيئة العامة للاستعلامات.

إذ خاضت مصر حربًا ضروس مع الرأي العام الدولي، احتدت وتيرتها مع إندلاع ثورة الثلاثين من يونيو في عام 2013، بعدما أتخذت عدة دول أجنبية موقفًا عدائيا حيال الثورة، وعكفت وزارة الخارجية المصرية ومؤسسة الرئاسة منفردين على تصحيح الصورة في أذهان المجتمع الدولي دون أن تتحرك الهيئة العامة لاستعلامات قيد أنملة.

وتوالت الأزمات الدولية في وجه مصر الواحدة تلو الأخرى، ولعل أبرزها حادث تحطم الطائرة الروسية بسيناء في العام الماضي الذي كبد قطاع السياحة المصرية خسائر فادحة لن تعوض، ثم واقعة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيي ، وما تلاه من تداعيات سلبية تخص الإنتقادات الغربية لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، وسط غياب غير مبرر لدور هيئة الاستعلامات في مجابهة هذه الأزمات المتعاقبة.

وتتولي الهيئة العامة للاستعلامات منذ نشأتها عددًا من الأدوار الإعلامية المنوطة - وإن بدا التقصير واضحًا - منها توفير التسهيلات للصحفيين والمراسلين الأجانب في مصر، كذلك توفير مصدر للمعلومات الدقيقة والصحيحة عبر موقع الهيئة على شبكة الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية، فضلًا عن تقديم صورة مصر إلى الرأي العام العالمي ونقل الحقائق عنها عبر مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية في العديد من العواصم والمدن الكبرى.

وفي آوائل سبتمبر الجاري، اعترف السفير صلاح عبد الصادق رئيس الهيئة العامة للاستعلامات بالتقصير إزاء التواجد الإعلامي المصري في الخارج، مشيرًا إلى أن مصر لا تمتلك منظومة إعلام خارجي تخاطب بها شعوب العالم ، متسائلًا: "أين نحن من المنظومة الإعلامية التي تخاطب العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، وألمانيا، والهند، وإيران، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا الذين يخاطبون شعوب العالم بلغاتهم".

ولم يقف الأمر عند حد اعتراف المسؤولين فحسب، وإنما لاقت الهيئة العامة للاستعلامات انتقادًا لاذعًا من قِبَل بعض الشخصيات العامة نظرًا لإخفاقها خلال الآونة الأخيرة، وكان آخرها انتقاد الإعلامي تامر أمين الذي صرح بأن الدولة المصرية فشلت في إدارة أزمة حظر روسيا استيراد المنتجات المصرية، إذ لم يصدر بيان أو تقرير عن الواقعة.

وأكد خبراء الشأن الإعلامي، أنه ثمة أسباب أدت إلى تدني آداء الهيئة العامة للاستعلامات، وعلى رأسها عدم الاختيار الكفئ ونقص الموارد بالإضافة إلى غياب عناصر التقييم الموضوعي، مشددين على أن التحديات التي واجهتها مصر خلال السنوات الماضية، كانت أكبر من قدرة الهيئة على التعامل معها.

الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، أكد أن الهيئة العامة للاستعلامات، لم تعد تؤدي الدور المنوط بها خلال السنوات الأخيرة، مرجعًا ذلك لعدة أسباب منها ترهل الهيئة ذاتها، وعدم اختيار المستشارين ذوي الكفاءة، بالإضافة إلى إغلاق عدد من المكاتب التابعة للهيئة نظرًا لنقص التمويل الكافي، ما أدى إلى تدني دورها الرئيسي.

وأضاف في تصريح خاص للـ"الدستور"، أن منظومة الإعلام الخارجي تتألف من عدة وسائل موجهة للخارج، إلى جانب هيئة حكومية لمخاطبة الغرب والرد عليه، إلا أن الإعلام التوافر حاليًا إعلامًا محليًا ليس له إصدارات بلغة أجنبية وبالتالي فإن المنظومة الإعلامية تحتاج لنوع من التطوير.

وأوضح علم الدين، أن الأزمات السياسية التي واجهتها مصر في الآونة الأخيرة، كانت لها تداعيات أكبر من قدرة الهيئة العامة للاستعلامات في التعامل معها، خاصة وأن رؤيتها في حاجة إلى إعادة النظر فيها، مشيرًا إلى ضرورة إنشاء وكالة للإتصال الدولي تتبع وزارة الخارجية ويعمل بها عددًا من الإعلاميين والدبلوماسيين، ويوكل إليها مهمة الإعلام عن مصر في الخارج، وذلك على غرار العديد من الهيئات العالمية.

من جانبه، صرح ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي، أنه لا يمكن تقييم أداء الهيئة العامة للاستعلامات بمعزل عن السياق التي تعمل فيه، ألا وهو تراجع مستوى الآداء العام في المؤسسات الرسمية وذلك لأسبابا عديدة منه؛ التحديات الراهنة التي تشهدها مصر في الآونة الأخيرة والتي يعود معظمها إلى فترات الاضطراب السياسي والتراجع الاقتصادي.

وتابع في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن جميع مؤسسات الدولة كانت تقبع تحت سلطة الرئيس الأسبق حسني مبارك طيلة ثلاثة عقود، وكانت تعمل دون معايير وإنما تقوم على أساس تسيير الأعمال، لافتًا إلى أن الهيئة العامة للاستعلامات لا تملك الموارد الكافية لتقوم بدورها على النحو المطلوب.

وقال عبد العزيز، أنه بالرغم من كبر عدد العاملين بالهيئة إلا أن برامج التدريب والتأهيل وعناصر التقييم الموضوعي لازالت غائبة، مشددًا على ضرورة إعادة هيكلة جذرية للهيئة العامة للاستعلامات، وتحويلها من جهاز بيروقراطي إلى جهاز متطور وفقًا لأسس معرفية تركز على الكيف وليس الكم.