رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شطحات الحكومة تغرق الاقتصاد".. الجنيه حائر بين التعويم والتخفيض.. وخبراء: فقد العملة لثلث قيمتها خلال عام "كارثة".. وقرض الصندوق يلوي ذراع الدولة

جريدة الدستور

تصريحات صادمة وأخري متضاربة، تبادل خلالها وزراء الحكومة ومحافظ البنك المركزي الأدوار، ليدلي كلًا منهم بدلوه في الأزمة المتفاقمه التي يعانيها الإقتصاد المصري جراء النقص الحاد في العملة الأجنبية، ما شكل ضغوطاً على احتياطي النقد الأجنبي في ضوء تراجع إيرادات السياحة، ودخل قناة السويس وانخفاض معدلات الاستثمار الأجنبي وزيادة الواردات مقابل الصادرات.

ووسط تضارب تصريحات المسئولين بين التعويم والخفض، وقف الجنيه المصري حائرًا، وأمام سلة العملات الأجنبية يواجه شبح الإنهيار، ليتلقفه في المقابل المضاربون بالسوق السوداء، وكان آخرها تصريح صادم لوزير التجارة والصناعة طارق قابيل، عن ضرورة تعويم العملة في المرحلة الراهنه، متمنيًا أن يحدث ذلك خلال سنة.

وأكد الوزير، علي هامش مشاركته في مؤتمر اليورومني المنعقد بالقاهرة، أن الحكومة سوف تقوم بدعم كافة القطاعات عند خفض قيمة الجنيه المصري، مضيفًا، أنه للحد من الأثر السلبي لخفض قيمة الجنيه، مؤكداً أن البنك المركزي لديه خطة واضحة لتوفير العملة وتثبيت سعرها لدعم قطاع التجارة.

تلميحات الوزير قوبلت بعاصفة من جانب المحللين الماليين والمصرفيين علي أن محافظ البنك المركزى هو الوحيد المنوط به التصريح بهذا الشأن، خاصة وأنها جاءت مناقضة لتأكيدات سابقة محافظ البنك المركزي طارق عامر، في يوليو الماضي، حول عدم إمكانية الحديث عن تعويم الجنيه حاليًا، أما الخفض فهو يرجع حاليًا لما يراه البنك في الوقت المناسب.

سبق تلك الواقعة تصريحات مثيرة للجدل أيضا أدلي بها وزير الإستثمار السابق أشرف سلمان في الدورة الماضية من مؤتمر اليورومني العام المنصرم، تطرق فيها إلي حتميه تخفيض الجنيه لم يعد اختياريا، موضحًا أن المجموعة الوزارية الاقتصاد تدرس بجدية خفض الجنيه.

وتسببت التصريحات السالفة، في هبوط مؤشرات البورصة المصرية وسط حالة من الترقب بين المتعاملين لتحريك سعر الصرف أنذاك، خاصة بعد قيام حوالى 22 دولة، آخرها كازاخستان، بتخفيض عملاتها للحفاظ على تنافسية صادراتها وجاذبية أسواقها بعد تخفيض اليوان الصينى.

لكن تصريح وزير التجارة سبقه تلميحات لمحافظ البنك المركزي أدلي بها علي إستحياء حول عزمه اتخاذ قرار مماثل بخفض سعر صرف الجنيه، قائلا "لن أفرح باستقرار سعر الصرف والمصانع متوقفة" وأن انخفاض الجنيه "له إيجابيات لتنمية الصادرات، مشددًاعلى أن الحفاظ على سعر غير حقيقي للجنيه كان خطأ، وأنه مستعد لآخذ القرارات الصحيحة وتحمل نتائجها.

واتساقًا مع ذلك، توقع طارق طنطاوي ،نائب الرئيس التنفيذي لشركة سي كابيتال القابضة، خفض قيمة الجنيه أمام الدولار خلال الأسابيع المقبلة بحيث يتراوح سعره ما بين 11.5 إلى 12 جنيها في السوق الرسمي مقابل 9 جنيهات حاليًا.

ورجح ذلك التوجه، اختلاف أسعار الصرف في الأسواق الرسمية والسوق السوداء بنحو 4 جنيهات حيث وصل سعر الدولار في البنك المركزي 8.83جنيه، وفي السوق السوداء تجاوز ال12 جنيهًا ، ما أدي إلى تداعيات خطيرة منها ارتفاع مستويات التضخم.

وكان أول قرار رسمي بخفض قيمة الجنيه في عهد محافظ البنك المركزي طارق عامر، في منتصف مارس الماضي، حينما فاجأ السوق، بخفض سعر الجنيه 14.5% مقابل الدولار، في محاولة للتخفيف من نقص في العملة الأجنبية يغذي السوق السوداء ويعيق نشاط الشركات.

وذكر أنذاك البنك المركزي أن القرار يأتي في إطار "علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف، واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة، تعكس آليات العرض والطلب".

وفي خضم ما سبق، أصبحت خطوة خفض الجنيه أمرًا حتميًا، وإن تباينت توقعات المحللين الماليين بشأن موعد تنفيذها، وسط تحذيرات من إنعكاساتها الكارثية علي الإقتصاد ككل والمواطن علي وجه التحديد.

الدكتور مصطفي النشرتي، استاذ التمويل والإستثمار بجامعة مصر الدولية، أكد أن الحكومة عمدت طوال الأشهر الماضية علي إطلاق بلونات إختبار عبر تصريحات المسئولين بداية من محافظ البنك المركزي حول خفض الجنيه، ثم تصريح وزير الإستثمار، وأخيرًا وزير الصناعة، مضيفًا أن التصريحات جميعها مؤشرات تبشر بنية الحكومة اتخاذ قرارًا رسميًا بخفض الجنيه تدريجيًا وصولًا إلي سعره في السوق السوداء.

وأوضح النشرتي، في تصريح لـ"الدستور"، أن الحكومة تحاول من خلالها تصريحات مسئوليها المتعاقبة تهيئة الرأي العام لإتخاذ تلك الخطوة، بإعتبارها أحد شروط صندوق النقد الدولي التي تنكرها الحكومة، لتسليم مصر الدفعة الأولي من القرض المتفق عليه مع الحكومة المصرية مؤخرًا.

ولفت إلي أن الإتفاق المبرم بين الحكومة والصندوق حول القرض المزمع تسلمه، اشتمل علي فقرة خاصة بسعر الصرف، اشترط إجراء تخفيض تدريجي أي تعويم لسعر صرف الجنيه المصري ليصل في النهاية إلي سعر السوق السوداء أي 13 دولار مقابل الجنيه.

وتوقع أن يصدر البنك المركزي قرارًا في القريب العاجل بخفض قيمة الجنيه ليصبح الدولار يعادل 11 جنيه بدلا من 9 جنيهات رسميًا، ثم يخفض في المرحلة التالية ليساوي الدولار 13 جنيه، كما هو السعر في السوق السوداء، لتحويل الدفعة الأولي من قرض الصندوق.

وبين خطورة تلك الخطوة حال اتخاذها، علي إعتبار أنها ستخفض قيمة العملة المحلية بمقدار الثلث في أقل من عام، في سابقة لم تحدث في العالم من قبل، موضحًا أنه إذا ما خفض البنك المركزي قيمة الجنيه معني ذلم انه زود قيمة الدولار بقيمة 2 جنيه، وخفض قدرة الشرائية للجنيه 20%، إضافة إلي انخفاض سابق بنسبة 14% ، وكذلك الإنخفاض المصاحب لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 3% أي ان الجنيه خسر 37% من قيمته في غضون 7 أشهر فقط.

وحذر من الإنعكاسات السلبية من تعويم الجنيه، علي ارتفاع الأسعار الي مستوي غير مسبوق نتيجة لتراجع القدرة الشرائية للجنيه أكثر من الثلث، وهو ما لا يتحمله اي اقتصاد في العالم، علاوة علي تأثيراته الضاغطة علي المواطن بقدر كبير.

وأكد صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن تعويم الجنيه، يعني تركه للسوق الحرة، لتحديد سعره دون أي تدخلات من قبل الدولة، ما يتطلب إقتصاد قوي قادر علي المنافسة امام سلة العملات الأخري، وهو ما لا يتناسب مع المرحلة الراهنة التي يمر بها الإقتصاد الوطني.

وأضاف الخبير الإقتصادي، في تصريحات خاصة، أن التعويم إما أن تنتهجه الدول لمعرفة السعر العادل لعملتها، دون تدخل من البنك المركزي، وفي هذه الحالة يطلق عليه التعويم النظيف، أما أن تلجأ له الدول لتحديد سعر العملة، ويتدخل في هذه الحالة البنك المركزي للخروج من أزمة ما مستخدما بعض من الحيل، كطرح الدولار أو سحبه من الأسواق، ويطلق على ذلك التعويم القذر.

أما الخبير الإقتصادي خالد الشافعي، رأي أن تلميحات مسئولي الحكومة والبنك المركزي حول إمكانية خفض جديد للجنيه، من شأنها إشعال المضاربات في السوق السوداء حول سعر الدولار في مقابل الجنيه، مشيرًا إلي أن تصريحات الوزراء لا تزيد الأمور إلا تعقيدًا.

وقال الشافعى، إن أخطر ما يواجه سوق الصرف حاليا هي ظاهرة "الدولرة" عن طريق لجوء المواطنين إلى تحويل مدخراتهم المالية من جنيه إلى مدخرات دولارية ما يؤدي إلى رفع السعر، مشددًا علي ضرورة العمل جديًا علي زيادة الموارد الدولارية في البنوك من خلال إيجاد وسيلة ترغيب للعاملين في الخارج لتحويل العملات عبر البنوك والمصارف الرسمية، وكذلك حل أزمة السياحة.