رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التراجع فى القرارات الرئاسية فى الشريعة الإسلامية


على الخليفة واجبات شرعية كثيرة كغيره من المسلمين، ولكن هناك واجبات خاصة به بمقتضى ما تكلفه من قيامه بهذا الأمر، وخلاصتها الحفاظ على الدين وحراسته، وتحقيق مصالح المسلمين الشــرعية والدنيوية ودرء المفاسد عنهم.

الرئيس مرسي-منذ توليه المنصب رسميا بتسليم المجلس العسكرى السلطة إلى الرئيس المنتخب يوم 30 يونيو- لكنه استطاع أن يشعل فيها أزمة حينما قرر عودة مجلس الشعب المنحل، مما أشعل الصراع بين مؤسستى القضاء والرئاسة، ليعلن الرئيس محمد مرسى تراجعه عن القرار مؤكدا احترامه الكامل للقضاء. التراجع تكرر غير مرة، بحيث أصبح سمة مميزة للرئيس، البعض يفسره إيجابيا بأنه «دليل على المرونة» وآخر يفسره سلبا بأنه «دليل على التخبط السياسى»، تعيين المستشار عبد المجيد محمود سفيرا لمصر فى دولة الفاتيكان، كان أحد القرارات التى تم التراجع فيها. لم يقف الأمر عند حد القرارات، تخطاها إلى الإعلانات الدستورية، فما أصدره الرئيس يوم 21 نوفمبر على لسان متحدثه الرسمى ياسر على، ألغاه أيضا الرئيس يوم 8 ديسمبر على لسان الدكتور محمد سليم العوا، بإعلان دستورى جديد تنص أولى مواده على إلغاء السابق.. التراجع تم بعد بحور دماء سالت فى عدد من الميادين وبعد حالة تقسيم رهيبة يعانيها المصريون منذ الإعلان. أن قرار فرض ضرائب على عدة سلع وخدمات أعدته الحكومة، وجاء نتيجة لأن الدولة لديها 200 مليار جنيه عجزاً فى ميزانية الدولة، والوزارة رأت من منطلق اقتصادى أن هذه الضرائب ستصيب سلعًا غير أساسية. هل يوجد خلل فى صناعة القرار الرئاسى ؟ هذا السؤال فرض نفسه وسط ما يحدث فى مصر الآن.. وذلك بعد أن رأينا رئيس الجمهورية يتراجع عن العديد من القرارات السيادية منذ مجيئه.. بداية من إعادة مجلس الشعب المنحل.. وإقالة النائب العام عبد المجيد محمود قبل أن يتراجع عن قرار الإقالة وبعدها يقيله مرة أخرى.. ثم الإعلان الدستورى الذى أصدره.. وأخيرا قانون الضرائب الجديد.. لهذا نحلل ذلك الأمر وفق نظرية تراجع القرارات فى السياسة الشرعية والسنة النبوية

على الخليفة واجبات شرعية كثيرة كغيره من المسلمين، ولكن هناك واجبات خاصة به بمقتضى ما تكلفه من قيامه بهذا الأمر، وخلاصتها الحفاظ على الدين وحراسته، وتحقيق مصالح المسلمين الشــرعية والدنيوية ودرء المفاسد عنهم، وتحت هذه الواجبات العامة تفصيلات كثيرة، كما تحتاج إلى تنظيمات وترتيبات لتحقيق تلك الواجبات على النحو المرضى، ومن مسئولية ولى الأمر القيام بهذه الواجبات واستحداث ما تحتاج إليه من تنظيمات وترتيبات وإزاء هذه المسئولية المكلف بها الخليفة؛ إنّ نشاطات السلطة الخفيّة فى المجتمعات المتقدّمة فى إطار الصراع السياسى للحفاظ على الثروات الوطنية وغيرها، تعتبر من الشروط الضرورية لاستمرار الديمقراطية، لأنّ النقد الخفىّ للأساليب التى تتّبعها السلطة السياسية الحاكمة فى جميع المجالات من شأنه أن يؤدى إلى تدعيم الديمقراطية. بينما فى المجتمعات المتخلفة تسقط الحكومة بسبب هذه الجماعات السرية ويكون التنازع بينهما عبر التخريب والإفساد والتهريج.

فإن الشريعة جعلت له على الرعية حقوقاً؛ حتى تكون هذه الحقوق معينة له على تحقيق واجباته ومقاصد الخلافة، قال الماوردى:«وإذا قام الإمام بما ذكرته من حقوق الأمة؛ فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم، ووجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة؛ ما لم يتغير حاله عندما يُشْكِل الأمر فى قضية ما، أو عندما تتعدد الحلول لمشكلة ما، أو عندما لا يكون المرء قادراً على اتخاذ القرار السليم فى القضايا التى تعرض له، أو يريد التأكد من صواب القرار الذى أداه إليه اجتهاده، أو يريد التوصل إلى الأيسر والأنسب من الحلول الصالحة المتعددة؛ فإنه يلجأ إلى من يعتقد أن لديه المقدرة على القيام بذلك مع الأمانة والصدق فيما يشير به، ويطلب منه أن يعاونه برأيه فى ذلك، وقد يطلب المستشير ذلك من فرد أو من مجموعة من الناس مجتمعين أو منفردين. وقد يكرر الاستشارة فى الأمر الواحد، وقد يكتفى بإشارة أول من يشير عليه. وعرض الآراء وتقليبها ممن يحسنون ذلك فى مثل تلك الأحوال، واختبارها لمعرفة كنهها، واستخراج أفضلها وأنفعها وأيسرها؛ هو ما يعرف بالشورى ويراد منها. والأدلة على مشروعية الشورى كثيرة؛ منها قوله تعالى ـ: {وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ} [آل عمران: 159]، وقوله:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى} [الشورى: 38]، وهى دالة على سلوك المؤمنين الحميد فيما يتعاطونه من أمورهم، وهى أعم من أن تكون قاصرة على ما يتعلق بنظام الحكم أو المسائل السياسية، وقد دلَّت سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية على كثرة مشاورته لأصحابه، فشاورهم فى مسائل عامة تتعلق بالجهاد كما فى غزوة بدر وأُحد وغيرهما، كما شاور بعضهم فى خاصة نفسه فى أمر عائشة رضى الله عنها الحَصَان الرَّزَان فى قصة الإفك، وغير ذلك من الأمور الكثيرة. وشاور خلفاؤه الراشدون من بعده، وجاءت آثار السلف فى الحض على ذلك والترغيب فيه، والناظر فى المجتمع الإسلامى فى الصدر الأول يجد أن المشاورة كانت أمراً فاشياً وسلوكاً حميداً عند عامة المسلمين، يتبعونه فى أمورهم العامة والخاصة، والوقائع بذلك كثيرة جداً والشورى فى المسائل العامة التى تتعلق بالأمة أو جمهورها أو طائفة كبيرة منها أَوْلى من الشورى فى المسائل الخاصة التى تتعلق بأفراد أو مصالح جزئية؛ لأن الأولى خطرها عظيم ونفعها كبير، ولذلك كانت الشورى فى المسائل المتعلقة بالنظام السياسى الإسلامى الذى يمثِّل السياج الواقى للإسلام ودولته أَوْلى بكثير من غيره، ولا يستغنى ولى الأمر عنها فى إدارته لشئون ولايته إدارة حسنة. وتأمل كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يقف الموقف الحاسم فى شأن العاطفة دونما النظر إلى تأثيراتها، ما دام الأمر الذى حسم والقرار الذى اتخذ فيه الخير والمصلحة فى يوم صلح الحديبية كان النبى – صلى الله عليه وسلم – مسددا بالوحى لا شك فى ذلك تحرّكت العاطفة فى نفس الفاروق عمر رضى الله عنه فجاء إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقال: ألسنا على حق؟ قال: بلى، قال: أليسوا على الباطل ؟قال:بلى قال: فعلام نعطى الدنية فى الدنيا فى ديننا؟.ونحن الآن فى قوة لماذا نقبل بهذه الشروط ؟ النبى عليه الصلاة والسلام يروض تلك العاطفة فيقول: إنى رسول الله وأن الله لن يضيعنى. انظر إلى أبى بكر رضى الله عنه عندما ذهب إليه عمر وهو بهذه العاطفة، ماذا قال الصديق رضى الله عنه؟ قال: الزم غرزه فإنه رسول الله، لكن الشاهد الأقوى فى هذه الحادثة بعد أن أبرم العقد بالمشافهة، وقبل أن يكتب جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو والذى تولى عقد الصلح من كفار قريش لإجراء الصلح، جاء وهو يرصف فى قيوده مسلم مضطهد معذب مقيد، جاء ليلتحق بالرسول وبالمسلمين فلما رآه المسلمون تحركت نفوسهم، وهاجت عواطفهم، وكان موقفا عصيبا وله وقع فى النفوس عظيم، فماذا قال سهيل بن عمرو؟ قال:يا محمد قد لجت القضية بيننا - الاتفاق أبرم وأن لم يكتب – فأمر رسول الله أبا جندل أن يبقى فى مكانه، وبقى عليه الصلاة والسلام على عهده ووعده ولم تغلب العاطفة فى حادثة قد يكون لها ضرر عظيم بل جعل العاطفة فى حدها وجعل لها أوان يأتى بإذن الله عز وجل فى وقتها.

■ كاتب