رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحج أشهر معلومات «1-2»


يقول الله تعالى «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِى عَنِ الْعَالَمِينَ»، هذه الآية كما يرى كثير من العلماء وفى كثير من التفاسير تشتمل على جملة من القواعد والأحكام والحقوق منها...


... حق الله على العبد وحق العبد على الله. لله عليك حق ولك عليه حق فحق الله عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئاً وحقك عليه ألا يعذبك إن أديت حقه عليك وهذا ما ثبت فى حديث معاذ الذى فى الصحيحين حيث قال: «كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِى ما حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». وغاية حقك على أن يرضى عنك فيكافئك بجنته. وغاية حقه عليك أن ترضى عنه فلا تقدم فى قلبه أحداً غيره وهذا الرضى هو ما يظهر فى الجنة حينما«يقول الله لأهلها: يا أهل الجنة؟ فيقولون لبيك ربنا وسعديك! فيقول هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا رب وأى شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا » «صحيح البخاري-من حديث أبى سعيد الخدرى» ومن هذه الحقوق التى لله على العبد هو الحج فـ«لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» وثمرة من أدى هذا الحق ما ثبت فى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة مرفوعا:«مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.»

ولكن ليس كل الناس قادرين على الحج فمنهم الكبير الذى لا يثبت على راحلته، ومنهم الفقير الذى لا يجد قوتاً يوصله إلى مكة ومنهم…غير ذلك فالمسلمون أمام هذا الحق أحد رجلين: رجل يستطيع ورجل لا يستطيع فما الحل إذا؟.

2ــ الله يتنازل عن حقه ليوفى بمصلحة عبده: لقد غرس الله فى قلوب المؤمنين الحنين إلى بيته والشوق إلى زيارته ففرض ذلك على المستطيع فى العمر مرة فقال:«وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». وأما غير المستطيع فقد تنازل الله عن حقه هذا معه فكما يقول الأصوليون: «إذا تعارض حق الله مع مصلحة العبد تنازل الله عن حقه ليوفى بحقوق عبده كما فى القصر فى السفر والإفطار فى رمضان للمريض وعدم حج البيت لغير المستطيع.. وغيرها» ولذلك قال سبحانه -بعد الأمر بهذا الحق-: «مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، أى وأما غير المستطيع فليس مخاطباً بهذا الحق لأن هذا يتعارض مع مصلحته وهى الشفاء من المرض.. وغيره ولذلك قال سبحانه- فيمن حرم حق الجهاد فى سبيله-: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ». فيتضح من هذا يسر الله على عبده وتخفيفه عنه، ليس ذلك فحسب بل وعوض الله –سبحانه- غير المستطيع بعمل هو له أفضل عند الله مما حرم منه.

3 ــ تعويض الله لعباده الضعفاء: لما حرم الضعيف من الحج قدَرا عوضه الله شرعاً بأعمال يعملها هى عند الله أفضل له مما حرم منه من الحج إلى بيت الله، فإن الله إذا حرم عبده قدراً من عبادة، عوضه شرعا بعبادة يقدر عليها، هذا العبد يأخذ بها ثواب هذه العبادة التى حرم منها بل وزيادة. ودلائل هذه القاعدة كثيرة فى القرآن والسنة من أقربها ما قاله النبى -صلى الله عليه وسلم- حينما «رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوك.. فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ» «صحيح البخاري» ومنها ما عوض الله به هذا المحروم من الحج الذى لا يستطيعه من أعمال هى منه أحب إلى الله من الحج إلى بيته الكريم. ومن هذه الأعمال: أ- العمل الصالح فى عشر ذى الحجة. فقد قال ابن رجب: «لماكان الله -سبحانه و تعالى- قد وضع فى نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام و ليس كل أحد قادراً على مشاهدته فى كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة فى عمره وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين و القاعدين فمن عجز عن الحج فى عام قدر فى العشر على عمل يعمله فى بيته يكون أفضل من الجهاد الذى هو أفضل من الحج.

وهذا بناء على ما قد ثبت فى صحيح البخارى من حديث ابن عباس أن رسول الله قال: «مَا الْعَمَلُ فِى أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِى هَذِهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».

ففضل النبى -صلى الله عليه وسلم- العمل الصالح فى أيام العشر على الجهاد الذى هو أفضل من الحج فعند البخارى من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِه.ِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ». فجعل النبى - صلى الله عليه وسلم- العمل الصالح فى أيام العشر الأول من ذى الحجة أفضل من الجهاد كله إلا النوع المذكور فقط، وجعل فى الحديث الثانى الجهاد بأنواعه أفضل من الحج فدل على أن العمل الصالح فى هذه العشر لمن لا يقدر على الحج أحب إلى الله وأفضل من الحج المبرور من المستطيع. للحديث صلة. وبالله التوفيق.