رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجلة مدرسة الإسكندرية


«مدرسة الإسكندرية» هو اسسم مجلة تهتم بنشر دراسات تاريخية وكنسية فى مستوى المجلات الراقية التى تُصدرها جامعات أوروبا. مشروع ثقافى كبير يرعاه الأب الراهب سارافيم البراموسي. ولدير البراموس تاريخٌ معروف فى نشر وحفظ التراث الذى تفرَّغ له علماء مثل القمص عبدالمسيح البراموسى وغيره. ولكل عمل عظيم يوجد حاسدون، بالحسد وعدم المعرفة يحفرون لأنفسهم ولغيرهم أنفاق الجهل والمقت وضيق الأفق.

قرأت ما صدر من هذه المجلة الراقية، وجدتها تفتح نافذة ثقافة كنسية مصرية خالصة، وتحاول بالبحث التاريخى لا بالعظات أن تضع التاريخ قبل كل شيء، وأن تقدم للفكر السند والدليل. هى بداية لفترة تنوير تأتى بعد فترة 50 عاماً ركد فيها الفكر الكنسي، وابتعد عن التاريخ ففتح المجال لاجتهادات لا أصل لها. عندما ينتصر جمع وحشد الناس ضد ما هو مسجَّل ومدوَّن فى التاريخ الذى امتد قرابة ألفى سنة، ويأخذ المجتمعون قرارات ضد التاريخ، وضد ما هو ثابت وأصيل، فيجب أن نكون على يقين من أن الصراع الفكرى لم يسبق له أن حُسِمَ، ولن يحسم بعدد الناس، ولا بالمقالات الساخرة الهزلية التى يتداولها ضعاف العقول على مواقع التواصل الاجتماعى التى لا هدف لها إلا تقسيم المجتمع الكنسى إلى عصابات مع أو ضد. الجهل لا يخيف، والسخرية من حقائق ثابتة فى التاريخ لا تحرك مشاعر الغيظ، والاتهامات مهما تنوعت، لا يمكن أن يكون لها قوة الإقناع إلا عند العصابات التى ترتزق من التجارة بالعقائد وتشعل الصراعات فى داخل الكنيسة على أمل أن تجمع أكبر عدد من رعاعٍ يهتفون ويهللون.

هكذا تسير موجةُ حقدٍ لتضرب أول مجلة علمية دراسية تنشر ما هو رصين وجدير بالاحترام باسم «مدرسة الإسكندرية». ومحاولات قتل الأب الراهب سارافيم البرموسى لن توقف عجلة البحث. عندما سُئل موشى ديان عن كيف طبق خطة حرب العدوان الثلاثى 1956 فى حرب 1967 قال عبارةً قاسيةً جداً: «العرب لا يقرأون التاريخ وإن قرأوه لا يفهموه». وهنا أستعير عبارة موشى ديان رغم قسوتها وأقول لمن يدبِّر محاولة عزل الأب سيرافيم، والأب أثناسيوس، والأسقف أنجيلوس، وغيرهم من قائمة تضم 19 اسماً مع صورهم، أقول لهم أنتم لا تقرأون التاريخ، وإن قرأتموه لن تفهموه. فى موكب الجهل تسيرون تتقدمكم عمائم كان من المفروض أن تحتل مكانة القدسية والاحترام والأبوة، ولكنها أصبحت تتزعم شق وحدة الكنيسة، وتبحث عن زعامة سياسية ضاعت، وليس لها أى رصيد معرفى يؤهِّلها للقيادة، ولا يسندها تاريخ شخصى يجعلها فى صفوف الأتقياء الشرفاء، وبهذا تكونون قد حققتم قول الرب: «أعمى يقود أعمى».

من قال وكتب أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقبل تعليم أوغسطينوس؟ من وصف تأله الإنسان بأنه بدعة شمل أثناسيوس وكيرلس الكبير فى اتهامه بالابتداع. من سبق أن وقف وراء ومنع كتاب أقوال مضيئة وهو أكبر تجميع لأقوال معلمى الكنيسة الجامعة. الحكم على تأله وليس تأليه الإنسان بأنه بدعة معناه أن الإنسان خالد بالطبيعة، وأن القيامة من الأموات هى حركة كونية ليس لها علاقة بقيامة المسيح. التاريخ لن يرحم أحداً، بل سوف يسمع ويحكم، وحكم التاريخ هو دائماً خاصٌ بالمستقبل؛ لأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى كنيسة لها تاريخ معروف لا يمكن أن يختزل. وأخيراً، الرجال وحدهم هم صانعو التاريخ، أما الجبناء والرعاع، فإن الزمان يطوى حياتهم كما طوى صياح الذين قالوا: أصلبه أصلبه. عشمنا أن تواصل المجلة المسيرة، وأن يواصل الأب سارافيم رحلته مع الشباب بالذات؛ لكى نسمع صوت التاريخ والتجديد الذى يؤصل الفكر عن تراثنا المصرى.

■ أستاذ علم أقوال الآباء بالجامعات الأمريكية