رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السم فى العسل!


من الواضح أن المادة 217 هى وسيلة لعودة مجلس الشعب الذى صدر حكم ببطلانه، وتمهد لمصادرة حق المحكمة الدستورية فى الحكم بعدم دستورية القانون.

استمعت إلى الدكتور معتز عبد الفتاح فى برنامج أذيع على قناة «سى. بى. سى» الذى يديره الأستاذ عماد أديب باسم «بهدوووء»، ولفت انتباهى أنه قال إنه سأل الإخوة الأعضاء فى اللجنة التأسيسية الذين انسحبوا منها عن سبب انسحابهم وأنهم لم يجيبوا بشىء وأعطانى انطباعا أن الاعتراض ليس على الدستور ومواد مسودته، وإنما من قبيل معارضة الإخوان المسلمين والرئيس مرسى، وهو أمر يردده الكثيرون من تيار الإسلام السياسى وليس أعضاء الإخوان المسلمين فقط، ويستخدمون بعض المواد التى ليس عليها خلاف ليخفوا المواد التى عليها خلاف والتى أعتبرها بمثابة السم فى العسل وهذا لا يعنى فى نفس الوقت إسقاط الاعتراضات على كيفية إدارة العمل فى اللجنة الـتأسيسية، وإصدار الإعلان الدستورى المشئوم، ثم دعوة الناخبين إلى الاستفتاء، لكن تظل هناك مواد مقصودة بعينها ولا يمكن الاستناد إلى إمكان تغييرها بعد الموافقة على الدستور وانتخاب مجلس الشعب، فلا يجوز إدارة العمل على أساس الأمر الواقع الذى فرضه الرئيس بالإعلان الدستورى وما تبعه من إجراءات، فهذا يعنى سياسة لى الذراع، والاستسلام لها لا يحقق استقرارا كما يدعى البعض، بل هو مصدر القلاقل المستمرة والتى ستظل قائمة.

هنا محاولة لذكر بعض عيوب المسودة المعروضة على الاستفتاء والتى أعتقد أن الغالبية تقر بأن عدد من قرأوا الدستور كاملا قليل، وأقل منه الذين فهموا ما دار به، وربما كنت قد حاولت تحديد بعضها فى مقال سابق.

من المواد المعترض عليها المادة 219 التى تحدد مبادئ الشريعة الإسلامية بـ«أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، ووجه الاعتراض أن هذه المادة تعتبر تعديلا على المادة 2 بالمخالفة للتوافق العام وللعرف الدستورى القاضى بعدم إدراج مواد مفسرة للدستور فيه، بينما تمثل مبادئ الشريعة الإسلامية الثابت المتفق عليه من حيث المصدر والمدلول فى حين أن أحكام الشريعة تعتبر متغيرة بحسب ظروف الزمان والمكان ويختلف عليها بين الفقهاء، كما أن قليلا من المواطنين يعرفون أدلة الشريعة الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، بل إن الواقع يقول إن كل المصريين المسلمين يتعهدون عند الزواج على اتباع مذهب أبى حنيفة النعمان دون أن يعرفوه، وطبيعى أن المصريين المسيحيين ليسواعلى دراية بها.

المادة الرابعة تنص على توصيف الأزهر الشريف، ولكنها تنص أيضا على أنه «يؤخذ رأى هيئة كبار علمائه فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية»، وهنا مع الاحترام الكامل للأزهر وهيئة كبار علمائه تحتكر هيئة كبار العلماء بإبداء الرأى فى موضوع الشريعة التى تشكل مبادئها المصدر الرئيسى للتشريع حيث لا يعطى الإسلام هيئة ما مهما كانت حق احتكار الإفتاء فيه، طبعا هناك توصية بحذف ما يخص أخذ الرأى.

المادة 10 تنص على أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.

يلاحظ هنا أن المادة تفتح الباب لتدخل ما يسمى بالمجتمع لحماية ما يعتبره الطابع الأصيل والقيم الأخلاقية وفقا لقانون قد يصدر وفقا للدستور، ويسمح بالتدخل فى الأسرة المصرية تحت أى ستار من بينه الدين.

يرى البعض أن المادة 12 التى تنص على «تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع المصرى وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف» أن تعريب التعليم قد يؤخذ على أنه معاد للمعاهد الأجنبية.

تنص المادة 14 على «ويجب ربط الأجر بالإنتاج، وتقريب الفوارق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون»، وهنا فإن العامل ليس هو العامل الوحيد المؤثر فى الإنتاج، وربط الأجر به يمكن أن يؤدى إلى ظلم العامل. كذلك فإن تحديد حد أقصى للعاملين فى أجهزة الدولة تعنى ألا يبقى فى أجهزة الدولة إلا العناصر التى لا تجد مكانا خارجها، وبالتالى إلى إضعاف أداء أجهزة الدولة، وفى نفس الوقت سمح بإصدار قانون للاستثناء.

خلا الفصل الثالث: المقومات الاقتصادية من تحديد حد أقصى للملكية الزراعية مما يمكن من إعادة الإقطاع. كما لم يمنع تملك الأجانب للأراضى.

لم تشتمل المادة 18 على تنظيم استخراج الموارد الطبيعية خاصة بواسطة الأجانب، وعلى كيفية استخدام عائداتها لصالح الأجيال القادمة.

المادة 32 تنص على أن «الجنسية المصرية حق وينظمه القانون، وهنا لا يوضح الدستور إمكان إسقاط الجنسية وفقا لشروط معينة ترتبط بارتكاب بعض الجرائم».

لاحظ كثيرون أن المسودة حينما تعرضت إلى التمييز فى المادة 33 بينما نصت على أن «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك» أن المسودة أغفلت ما تردد فى الدساتير السابقة عن ألا تمييز على أساس الجنس أو الأصل والعرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأى أو الوضع الاجتماعى أو الثروة والإعاقة، بما يوحى باحتمال قبول التمييز على أساس أى منهم.

نصت المادة 53 على أنه «لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة» بما يعتبر تراجعا عما سبق التوصل إليه بتشكيل نقابات خاصة للعمال.

تنص المادة 76 على أن «العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون» وبهذا أصبح من الممكن توقيع عقوبة بنص دستورى خارج القانون، وهو ما يشرع للدستور حرمان البعض من بعض الحقوق بنص دستورى للانتقام. وهو ما نصت عليه المادة 232 «تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور، ويقصد بالقيادات كل من كان فى الخامس والعشرين من يناير 2011 عضوا بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى أوكان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة»، وتثبت التجربة الحالية أن تنفيذ مثل هذا المنع يؤدى إلى حرمان البلاد من بعض الكفاءات التى لا غبار عليها، بينما تشكل عقوبة بلا نص قانونى وبلا جريمة، وعلى أفعال سابقة للدستور.

تنص المادة 217 على أنه «لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا بقرار مسبب، وبعد استفتاء الشعب، ولا يجوز حل المجلس خلال دور انعقاده الأول، ولا للسبب الذى حل من أجله المجلس السابق» ومن الواضح أن المادة 217 هى وسيلة لعودة مجلس الشعب الذى صدر حكم ببطلانه، وتمهد لمصادرة حق المحكمة الدستورية فى الحكم بعدم دستورية القانون.

كنت أود استكمال كشف ما بالدستور من عوار لكن الحيز محدود.

■ خبير استراتيجى