رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يكتسب حكم الإخوان عداوات يومية؟!


الخلاصة كانت لدينا دولة متحضرة يسود فيها القانون الكل يعمل ويضمن حقوقه رغم وجود فساد وعدم توزيع للثروة وغياب العدالة الاجتماعية وسيطرة عدة مئات فقط على ثروات ومقدرات البلد فى ظل حماية كاملة من الرئيس وابنيه بل ومشاركتهم أيضا فى الثروات إلا أن القانون والقضاء والشرطة والنيابة كانوا حاضرين وكانوا ملجأ وملاذا للجميع.

ليست هذه مصر التى نعرفها والتى عشنا فيها عمرنا، عهدناها دولة متقدمة متحضرة تخضع للقانون الذى لا يفرق بين كبير وصغير ولم نشعر باستقواء فريق برئيس أو بوزير رغم تفشى الفساد لثلاثين سنة، فالرئيس المخلوع كان له أكثر من ثلاثة ملايين عضو بالحزب الوطنى الذى يترأسه ولم يفكر أن يستقوى بهم أو يطلب منهم النزول إلى الميادين لمواجهة معارضيه ولم يقولوا إن عزله دونه الرقاب؟! عشنا وقفات لحركة كفاية وشايفنكو و6 إبريل وعمال وفلاحين أمام مجلس الوزراء والشعب والشورى ولم يطلق عليهم أبداً أعضاء حزبه وأتباعه ولم يستقو بهم لمنع كاتب أو لمطاردة وإيذاء حمدى قنديل بدنيا وهو الذى يظل ينتقده دوماً سواء فى مصر أو خارجها. أعضاء الحزب الوطنى لم ينتظروا إبراهيم عيسى أمام منزله أو عمله رغم مقالاته اليومية الموجهة لمبارك ولمبارك فقط دون غيره وجعل الأمر للقضاء فى دولة متقدمة حضارية ولم يعد بها إلى زمن الجاهلية والقبلية وطلب التعرض له وإيذاءه ومعه المخرج خالد يوسف الذى سخر أفلامه الأخيرة جميعها للعشوائيات والفساد والديكتاتورية فمكانة مصر أمام العالم تستحق أن يتحمل الرئيس كل إنتقادات سواء حادة أو محرضة لمعارضته. قد يقول البعض ولكن زبانية النظام كانت تقوم بالواجب مع الإبراشى ومنى الشاذلى وعبد الحليم قنديل وعيسى وهذا صحيح تماما ولكن ليس بناء على رغبة أو توجيه من الرئيس ولكن تقربا وتدليسا لسلطان الرئيس ممن يرغبون فى التعبير عن إخلاصهم وتفانيهم فى عملهم فى الدفاع عنه حتى إنه كان يوجه اللوم والتوبيخ للبعض منهم على ما تتناقله الصحف العالمية من طغيان النظام بسبب تصرفاتهم الغبية وغير المسئولة فقد كان الرئيس السابق مهتما بإثبات أن مصر دولة ديمقراطية تتوجه فيها الانتقادات إلى أعلى القيادات دون ردود انتقامية بتفهم وتقبل من سدنة حكمه.

الخلاصة كانت لدينا دولة متحضرة يسود فيها القانون الكل يعمل ويضمن حقوقه رغم وجود فساد وعدم توزيع للثروة وغياب العدالة الاجتماعية وسيطرة عدة مئات فقط على ثروات ومقدرات البلد فى ظل حماية كاملة من الرئيس وابنيه بل ومشاركتهم أيضا فى الثروات إلا أن القانون والقضاء والشرطة والنيابة كانوا حاضرين وكانوا ملجأ وملاذا للجميع.

الآن نعيش زمن اللادولة الكل يفعل ما يشاء، فهناك قبيلة أو عشيرة بعينها تحاصر مدينة استوديهات الإعلاميين وتذبح الحيوانات فى الشوارع ويأكلون ويشربون ويقضون حاجتهم ويبنون دورات مياه فى أملاك الدولة تحت سمع وبصر المسئولين جميعا الذين يهرعون فقط لإزالة دور مخالف فى عمارة أو زراعات فى أراض صحراوية تحتاجها الدولة أو إغلاق محل تجارى صغير ينفق على أسرة فقيرة أو مطاردة لباعة جائلين يبيعون بضاعة رخيصة للفقراء. يتم الاعتداء على صحفيين وإعلاميين وسينمائيين وغيرهم أمام أنظار الأمن والرئاسة والنيابة والدولة. صحفى تم الاعتداء عليه ودمرت كاميرته أمام قوات الأمن أمام مدينة الإنتاج الإعلامى وخلصته الشرطة من أيادى المعتدين ثم رفضت تحرير محضر بالواقعة تثبت الاعتداء ناصحة إياه بالابتعاد عن المنطقة حرصا على حياته وأن يشكر ربه على أنهم أنقذوه فى الوقت المناسب؟؟؟!!

أمين رئاسة الجمهورية المناضل السابق وكانت لنا معه جولات فى نقابة الصحفيين نتحدث معاً عن حقوق الفقراء والفلاحين أمام الاستبداد وسطوة رجال الأعمال والمستوردين أصبح الآن يتحدث فى الفضائيات عن دولة القبائل وليس عن مصر الشامخة العريقة ويشرح للمذيعة أنه إذا تم الشروع فى الاعتداء عليه شخصيا أو على مقر الرئاسة ولم تستجب الشرطة والحرس الجمهورى لتوجيهاته بالبطش بالمعتدين فإن أهله وعشيرته فى طهطا بسوهاج سوف يهرعون لحمايته والدفاع عنه مبررا بذلك سكوت مؤسسة الرئاسة وأجهزة الدولة على قيام المتشددين من الجماعات والحزب الذى كان ينتمى إليه الرئيس بالاشتباك مع المتظاهرين والمعتصمين ودك خيامهم وتكميم أفواه السيدات ذوات التاريخ النضالى الحافل!! لا ياسيادة السفير الذى قضى عمره فى العمل الدبلوماسى ويعلم الأعراف الدبلوماسية ويعلم تماما أن العلاقات بين الدول تختلف عن العلاقات بين الأفراد وأن إدارة الدول تختلف عن إدارة الأسر والقبيلة والعشيرة وأن دولة بحجم مصر تنظمها القوانين فقط وليس القبلية وصلة القرابة والأهل والبلديات والجماعة. صحيح أن القانون يبيح التظاهرات ويجرم الاعتصامات وبالتالى فإن تفعيل القانون كان يمكن أن يحل مشكلة الاعتصامات أمام قصر الرئاسة. ثم التفرقة بين حرمة التظاهر أمام مؤسسة الرئاسة وإبداء الاستياء والغضب منه لم يقابله نفس الاستياء والغضب من التظاهر أمام السلطة القضائية بكل احترامها لا أمام القضاء العالى ولا أمام المحكمة الدستورية، رغم أن التظاهر ومعه الاعتصامات المجرمة قانونا لم تمنع الرئيس ولا معاونيه ومستشاريه وضيوفه من الدخول إلى قصر الرئاسة فإنها فى المقابل منعت القضاء من الدخول إلى المحكمة الدستورية ومنعت صدور أحكامهم سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا وإن البعض منهم أصبح يعمل بالإعلام أكثر مما يعمل بالقضاء وهو ما قضى على هيبة القضاء بالعمل والتحدث فى الأمور الخلافية وبالتالى وضع القاضى نفسه أمام الرد على آرائه وانتقاده والتقليل من شأنه ومخالف لجموع القضاء بحذر العمل الإعلامى والصحفى والرياضى أثناء الخدمة.

ومع كل السابق وفى ظل غياب السلطة التشريعية للدولة غاب أيضا التنسيق والتوافق مع السلطة القضائية التى ينبغى أن يستعين بها الرئيس للتشاور فى الأمور التشريعية بل زادت عداوته مع السلطة القضائية وتزيد يوما بعد يوم فالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء غائب ولم يُنتبه إليه إلا بعد وقوع كارثة الإعلان الدستورى، والتنسيق مع مجلس الدولة ومحكمة النقض والقضاء الإدارى والدستورى غائب والعداوة أصبحت علنية وجائرة ولم تسع مؤسسة الرئاسة لرأبها حتى وصل الأمر إلى إهدار العدالة نفسها فى قضية يعترف فيها أحد المتهمين بجرمه ويحول إلى المحكمة فتبرئه المحكمة وضوح جرمه لأن النائب العام الذى حول إليها القضية غير معترف به من القاضي!؟ وهكذا أصبح العند وليس العدل هو السائد فبدلا من أن تحكم المحكمة بحكمها فى حق من اقترف جريمة ثم تشير فى حكمها إلى أنها لن تقبل قضايا قادمة قبل تسوية أمر النائب العام فإنها أهدرت العدالة مفضلة العناد عن العدل. الحل يتمثل فى ضرورة طلب الرئيس من المجلس الأعلى للقضاء ترشيح ثلاثة من المستشارين من أصحاب التاريخ الناصع والخبرة ليختار أحدهم فى منصب النائب العام لتسوية قضية ما كان لها أن تطول لكل هذا الوقت، وأيضا لعدم ترسيخه مبدأ اختيار الرئيس بنفسه لمن يرسخ وجهة نظره فى العدالة ويلتزم بتوجيهاته بعد كل ما عانيناه سابقا من تسييس بعض المناصب القضائية لتغمض عينها عن مخالفات المحاسيب والمقربين.

أصبحنا أحزابا وشيعا وقبائل، وأصبحنا نتوزع بين ميادين رابعة والتحرير والاتحادية وروكسى ومدينة الإعلام، والعودة إلى الدولة الموحدة أصبح منالا نتمنى أن نرى من يستطيع تحقيقه.

إذن هى السلطة بكل ما تفرضه من تسلط بعيدا عن العدل والعدالة وحسن إدارة الدولة وبعيدا أيضا عن صالح شعب عريق يقود 22 دولة عربية ويمثل قوة توازن لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

■ كلية التجارة جامعة القاهرة

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.