رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغباء فضيلتكم الوحيدة


إن كانت الرشوة حراماً فإن تيار الإسلام السياسى يقترف إثما حين يقبل على المستوى القيادى والجماعى أموالاً طائلة من الخارج والداخل بزعم استخدامها فى الدعوة للإسلام أو تكوين وتدعيم الجماعات الدينية على اختلافها، ويقترف أعضاؤه الصغار نفس الإثم حين يقبلون أموالا للمشاركة فى التظاهرات والاعتصامات والترويج لمرشحيهم فى أى نوع من الانتخابات.

وإن كانت السرقة حراماً فإن التيار المذكور لا يتورع عن ارتكابها حين يسطو بعض المنتمين إليه على محال وممتلكات الأقباط وغيرهم ويعتبرون ذلك نوعا من التقرب إلى الله لأن أصحاب المحال أعداء للأمة الإسلامية!

وإن كان الكذب حراماً فإن السادة الإسلاميين يرتكبون هذا الإثم بمنتهى السلاسة والطلاقة ويعتبرونه نوعا من المكر والخديعة ضد أعداء الله وأعداء الإسلام، وتعتبره بعض طوائفهم بمثابة «التقية» التى تسمح للمرء المسلم بإظهار غير ما يبطن إلى أن يمكن الله له فى الأرض! ويكفى فى هذا السياق ما شهدناه وسمعناه فى الآونة الأخيرة من سعى محموم لجماعة الإخوان حتى تنسب لنفسها عدداً من ضحايا اشتباكات الاتحادية ولو كان ذلك من خلال رشوة أهالى الضحايا وإقناعهم بالاعتراف الكاذب بانتساب أبنائهم لجماعة الإخوان!

وإن كان القتل حراماًَ فإن للجماعات الدينية تاريخاً طويلاً من إراقة دماء خصومهم حتى لو كان هؤلاء الخصوم أشخاصا مسالمين لا حول لهم ولا قوة ولا مركز ولا سلطة مثلما الحال مع فرج فودة ونجيب محفوظ وغيرهما.

ولا يتورع الإسلاميون عن ارتكاب مجازر وحشية فى أى بلدة يتمكنون منها مثلما فعلوا فى أفغانستان والجزائر ومثلما يفعلون الآن فى سوريا ومثلما كان حالهم فى كل مراحل الدولة الإسلامية من خلافة عثمان -رضى الله عنه - وحتى ضياع الأندلس والانحطاط الذى عاشته الأمة فى ظل الدولة العثمانية.

الفضيلة الوحيدة لدعاة الإسلام السياسى وأنصاره هى الغباء مكتمل الأركان، هذا الغباء هو الذى يدفعهم بداية إلى الانخراط فى جماعات طائفية ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يدفع كل جماعة إلى إنكار الأخرى وأحيانا قتالها! وهذا الغباء هو الذى يأمرهم بعدم الاعتراف بالوطن أو حقوق المواطنة ثم الانصراف إلى أهمية حمقاء يستحيل تحقيقها.

وهذا الغباء هوالذى منحهم شعوراً كاذباً ونشوة خادعة أدارت رءوسهم عقب نجاحهم فى ركوب ثورة يناير واحتلال مقاعد البرلمان، ظنوا أن الدنيا قد دانت لهم فى مصر وبعض الدول العربية الأخرى، وبدأوا يرتكبون الحماقات الواحدة تلو الأخرى، ضد مؤسسات الدولة وضد التيارات السياسية المدنية وضد الإعلام وضد الحكومة وضد الفن والفنانين والفنانات وضد أى شاب «يضبطونه» متلبسا بالسير أو الجلوس مع إحدى الفتيات!!

ظن الإسلاميون أن الله قد «أطعمهم» هذا البلد، ولم يمهلهم شيطانهم أو غباؤهم بضعة أشهر ويتمكنون فيها من تحقيق أى إنجاز سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى يدفع الناس للمزيد من الثقة فيهم وبالتالى يتمكنون من السيطرة على مقاليد الأمور فى البلاد، غباء التيارات الإسلامية أفقدها البصر والبصيرة وجعلها تصطدم بالشعب وتجبره أن يثور عليها ويرفض شرعيتها ويلعن اليوم الذى منحها فيه أصواته البرلمانية أو الرئاسية، ويلعن أيضا الغفلة والأمية وسائر عناصر تسويق الإخوان والسلفيين فى الانتخابات والاستفتاءات التى أعقبت ثورة يناير.

الغباء ليس فضيلة، ولكنه فضيلة الإسلاميين الوحيدة لأنه سوف يكون عذرهم الوحيد يوم يحاسبهم الله على جرائمهم فى حق الوطن والأمة والدين الذى يتاجرون به