رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانقلاب على الديمقراطية فى تركيا!! «١»


لا خلاف على أن التجربة التركية على المستوى الاقتصادى تستحق الدراسة من قبل دول أخرى مازالت ترمقها وهى تحاول المضى قدما على طريق التنمية وفى الوقت نفسه سياسيا روجت تركيا لتجربتها الديمقراطية لعقود طويلة بشكل حاول يقنع البعض بأنها قننت ما يمكن تسميته علاقة التماس بين المؤسسة العسكرية التركية وبقية المؤسسات المدنية الأخرى، حيث ظل الجيش حارسا على الإنجاز الاقتصادى وإلى حد كبير على الإنجاز الديمقراطى طوال السنوات الماضية حتى وقعت محاولة الانقلاب الأخيرة فى الخامس عشر من شهر يوليه الماضى.

ونقول إنه برغم فشل الانقلاب فى تركيا إلا أنه كشف أمورا يجب مناقشتها بشكل تحليلى فقد تقاطعت هذه الامور مع ما رسخ فى الذهن بشأن التجربة التركية ومن بينها أن ثمة احتقانا فى النسيج التركى هو الذى دفع البعض- بصرف النظر عن توجهاتهم أو ماهيتهم - إلى التقاطع الحاد مع نظام حكم أردوغان خاصة فى المؤسسة العسكرية التى -كما ذكرنا- هى صمام الأمان فى الدولة التركية منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك ملهم تركيا فى نسختها العلمانية، ولهذا استهدفت جميع الانقلابات العسكرية التى شهدتها تركيا فى نحو نصف قرن تحقيق الموائمة بين العلمانية بالمفهوم الأوروبى والحفاظ على القيم المترتبة عليها ومن بينها الاقتصاد الحر والديمقراطية الليبرالية والأفكار المتحررة حتى المتعارضة مع الموروث الإسلامى مثل زواج المثليين وما شابه وبين اعتبار تركيا دولة إسلامية!!.

غير أن الرئيس التركى كان له أكثر من وجه فى التعاطى مع متناقضات المجتمع التركى هل هى دولة محافظة تحكمها قيم المجتمعات الشرقية أم أنها دولة متحررة تسير على نهج الحرية الفردية كما فى المجتمعات الغربية وأحد هذه الوجوه مثلا مرونته فى التعامل مع الفكر العلمانى بكل صوره إلى حد النفاق ووجه آخر يتعامل مع تيارات سياسية متخفية تحت عباءة الدين المحافظة بما يجعله يحتضن التنظيم الدولى لجماعة الإخوان بل يتعدى ذلك إلى استضافة عناصر إرهابية وقيادات فى بلاده تمثل اتجاهات هاربة من أحكام قضائية فى دول أخرى، والغريب أن هذا الأردوغان فى محاولته تكميم الأفواه بعد محاولة الانقلاب عليه أغلق العديد من القنوات الفضائية فى بلاده قال إنها تروج للفكر الانقلابى وتتبع المعارض «فتح الله كولن» وترك قنوات أخرى تابعة لإرهابيين هاربين تنعق من تركيا، الأمر الذى يؤكد أنه يأتمر بأمر التنظيم الدولى للإخوان، وفى الوقت نفسه يتعامل بأسلوب المعايير المزدوجة ونتيجه لذلك أتصور أن رجب طيب أردوغان بدأ طريق النهاية.. وللحديث بقية فى المقال القادم.