رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكروبات ديكتاتورية الأغلبية


.. وهكذا وصل البرنامج البهلوانى إلى نهايته وأعلن فى نهايته إلغاء الإعلان اللادستورى ولكن بعد أن خلق أمرا واقعا ولم يعد شىء يمكن أن ينقذ المجتمع المصرى من الانقسام، ولا من تسلط تيار على آخر ويمنع الديمقراطية من أن تتحول إلى ديكتاتورية أغلبية، هذا إذا كانت أغلبية.

أفضل وصف لما حدث فى الأسبوع الماضى أنه من أحدث فنون الأكروبات السياسية التى شارك فيها كثير ممن كنت أقدر لهم مواقف سابقة، لكن يظهر أن الأسبقية للانحياز السياسى وليس للمبادئ، وربما لا أعفى منها أحدا سواء ما يسمى «التيار الإسلامى» الذى أثبت أنه سبة فى جبين الإسلام والمسلمين أو ما يسمى جبهة الإنقاذ، فقد مارس تيار الإسلام السياسى نوعا من التزوير والتدليس السياسى، وهو يظن أنه قد حقق غرضه بما قام به سواء فيما يختص باللجنة التأسيسية غير الدستورية، أو الإعلان غير الدستورى أو فى محيط الاتحادية أو فى الميادين المختلفة، وكان مشهد ما عرف بـ«الحوار» يوم الجمعة 7 ديسمبر هو مشهد الختام فى الفصل الأول من مسرحية الدستور ومسودته ومشروعه، أما الحديث عن الديمقراطية فلا محل له من الإعراب فى ظل المناخ السائد، وما كثرة الحديث عن احتمال قيام القوات المسلحة بانقلاب عسكرى إلا مظهرا للشعور بعدم صحة الأوضاع وضرورة تغييرها، وقد تعود كثير من أفراد الشعب أن يتجهوا بأنظارهم إلى القوات المسلحة حينما تتعقد الأمور، ويشعرون بأن الحل لا يمكن أن يأتى إلا من القوات المسلحة التى لم تخذلهم فى أغلب الأحوال.

أما التيار الآخر والذى يمكن اعتباره بشىء من التجاوز تيار جبهة الإنقاذ فهو الآخر كان قد تحالف وتعاون مع تيار الإسلام السياسى حتى تتوافر له فرصة الانتخاب فى مجلس الشعب أساسا وربما فى مجلس الشورى أيضا، وربما شارك فى إطلاق وصف الفلول على كل من تولى منصبا فى زمن الرئيس السابق، وبغض النظر عما إذا كان قد أفسد أو لم يفسد، ارتكب جرائم أم لم يرتكب، بل إنهم، أو إن كثيرا منهم، صوتوا لصالح الدكتور مرسى حتى لا يعطوا صوتهم للدكتور أحمد شفيق، وهم افتقروا إلى إدراك قيمة التعاون مع القضاء فى الأزمة الحالية باعتبار أن لب الأزمة هو تربص الدكتور محمد مرسى بصفته رئيسا للجمهورية وفى نفس الوقت عضوا فى حزب الحرية والعدالة ورئيس سابق له، تربصه بالقضاء فى عدة قضايا وأمور هى القضايا التى حكم فيها ببراءة متهمين فى أحداث يناير 2011، والتخلص من النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وأحكام مجلس الدولة «محكمة القضاء الإدارى والمحكمة الإدارية العليا»، والمحكمة الدستورية أولا بالنسبة لبطلان مجلس الشعب السابق رغم أنه حكم سبق صدوره أيام الرئيس السابق مبارك مرتين وخضع له فى المرتين، أو بالنسبة لصحة انتخاب اللجنة التأسيسية المكلفة بوضع الدستور.

وكان مهما أن يتم التعاون بين ما يسمى القوى السياسية والتى نسميها اصطلاحا جبهة الإنقاذ، كان يجب انتظار ما يتفق عليه أولا يتفق عليه القضاء قبل اتخاذ قرار بالنسبة للاستفتاء. ويبدو أنهم لم يقدروا الموقف جيدا قبل اتخاذ قرار بمقاطعة الاستفتاء، فمن المهم جدا قبل اتخاذ قرار بالمقاطعة أن يحتسب احتمالات نجاح المقاطعة ورد فعل الطرف الآخر، وما يمكن عمله فى حال نجاح الطرف الحكومى فى إجراء الاستفتاء وتجارب الحزب الوطنى الديمقراطى السابقة ليست بعيدة عن الذاكرة. كل ذلك أرى أنه لم يتم بالشكل المناسب، بحيث أتوقع، رغم بعد الشقة بين وقت كتابة المقال والوقت المحدد لإجراء الاستفتاء بأنه يمكن للرئيس والحكومة إجراء الاستفتاء، والقول بالفوز بالموافقة على الدستور سواء عن حق أو باطل.

ما حدث يوم الجمعة 7 ديسمبر فى قصر الاتحادية نوع من الأكروبات السياسية أثبت أن هناك فى مؤسسة الرئاسة من يستطيع أن يصمم لعبة بهلوانية سياسية، إلا أن اللعبة البهلوانية لم تبدأ يوم الجمعة 7 ديسمبر الماضى ولكن ربما كان المشهد الأخير أو شبه الأخير من القفزة البهلوانية، أما بداية اللعبة فقد كانت إصدار الإعلان اللادستورى بتحصين القرارات، وعزل النائب العام المستشار، وتحصين اللجنة التأسيسية، ضاربا بذلك عرض الحائط بالقضاء وأحكامه ومؤسساته وبذلك مهد الطريق أمام اللجنة التأسيسية بتكوينها المعيب أن تضع دستورا ينقل مصر من الدولة المدنية إلى الدولة الدينية أو إلى دولة ولاية الفقيه، وربما كانت ولاية الفقيه أفضل منها باعتبار ما حققته دولة ولاية الفقيه على الأرض من إنجازات، فى حين تتعثر مصر بين قرارات متتالية تصدر ثم يجرى الالتفاف حولها ويضيع الجهد وأحيانا الدم الذى بذل فى سبيلها.

لم تكذب اللجنة التأسيسية برئاسة المستشار الغريانى خبرا، وانتهزتها فرصة سانحة لغياب عناصر المعارضة لكى تسلق بنود الدستور وتحقق الأهداف التى رجا بعضهم منها، فملأت مقاعدها الفارغة بعد انسحاب قوى كثيرة بالبعض من الاحتياطي، وكان من الطبيعى أن تملأ بأفراد من نفس التيار، وجاءت ببعض المواد التى لم تكن مطروحة، واستمر العمل لكى تنهى مسودة الدستور بسرعة وتقديمها للرئيس لكى تنهى إجراءاتها ويحيلها إلى الاستفتاء الشعبى، هكذا رأينا جلسات تمتد حتى الصباح، ورأينا مواد جديدة لم يسبق طرحها.

جرى رئيس اللجنة التأسيسية ومن معه من اللجنة لعرض مسودة الدستور على الرئيس حتى يصدر قراره بدعوة الناخبين للاستفتاء عليها، وبغض النظر عن ضرورة الوصول إلى محاولة تحقيق توافق حول المسودة من تلك القوى أو الجماعات التى أعربت عن عدم رضاها، وكما أن اللجنة لم تتأخر أو تتردد فقد كان قرار رئيس الجمهورية جاهزا بدعوة الناخبين للاستفتاء وكانت فتوى نائب الرئيس بعدم جواز تأخير الدعوة وفقا للإعلان الدستورى فى 20 مارس 2011، وكان يستطيع أن ينصح رئيس اللجنة االتأسيسية بأن يعرض المسودة للحوار المجتمعى قبل تقديمها للرئيس، كما كان يستطيع أن يشير على الرئيس إلى أن يطلب من اللجنة التأسيسية أن تعطى نفسها فرصة أكبر لمناقشة المسودة كاملة، سواء ما بين أعضائها، أو لمناقشة بينها وبين المنسحبين حتى تحصل على أكبر توافق ممكن حول مسودة الدستور مع الاستعداد لتعديلها وفقا لما يمكن الاتفاق عليه.

سارت الأمور على نحو مختلف عما توقع الرئيس وفريقه، وسقط قتلى ومصابون، وأنذرت بمزيد من العنف، فى وقت قاربت فيه الحركة البهلوانية من نهايتها فى برنامج السيرك السياسى، وهنا طلع مخرج السيرك بإضافة إلى برنامج الأكروبات بالدعوة إلى حوار بقصر الاتحادية الساعة الثانية عشرة والنصف يوم 7 ديسمبر 2012، ولكن الدعوة كانت أكروباتية فهى دعوة مفتوحة تتسع لآلاف البشر، وآلاف الموضوعات، وليس لها أسلوب لاتخاذ القرار ولا لها هدف محدد يمكن بناء عليه تحديد مدى نجاحه أو فشله، ويبدو أن هذا كان مقصودا، فقد كان من الطبيعى أن يرفضه الطرف الآخر، بينما يهرع إليه المؤيدون، بما يعنى أن المقصود دعوة المؤيدين ومحاولة إلقاء المسئولية على الآخرين.

■ خبير استراتيجى