رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل .. كش ملك! «1-2 »


يغيب على بعض غير المتخصصين أن الدبلوماسية سلاح من أسلحة الدولة تستخدم فى إدارة علاقاتها الخارجية وهى إحدى أدوات القوة القومية على المستويات الإقليمية والقارية والدولية، ولكن الدبلوماسية الناجحة لابد أن تكون قوية وفاعلة تحقق مصالح الدولة وهو الهدف من أى سياسة خارجية، بعبارة أخرى أنه لا توجد فى العلاقات بين الدول صداقة دائمة أو عداوة دائمة إنما توجد مصالح دائمة، ومن ثم لابد أن يتمتع منفذ الخطط الدبلوماسية بالدهاء والقدرة على المناورة لكسب نقاط القوة خصما من حساب= قوة الطرف أو الأطراف الأخرى، هذه مسلمة أو ألف باء السياسة الخارجية يعلمها أى دارس للعلوم السياسية أو المشتغل بالسلك الدبلوماسى، وأتصور أن هذا المبدأ يحكم العلاقات المصرية- الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية السلام بين الجانبين عام 1979 فى عهد الرئيس أنور السادات وليس له علاقة بما يسمى «التطبيع» وهو تعبير سياسى أكثر منه دبلوماسى، وأى قارئ جيد لتاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية يكتشف أن التطبيع ظل فى إطاره الحكومى طوال أكثر من 47 عاماً ولم يصل حد التطبيع الشعبى إلا فى حالات نادرة تمثل استثناء ولا يمكن أن تعتبر قاعدة ضابطة لنظرة الشعب المصرى للإسرائيليين لأسباب قومية ونفسية وتاريخية قد نتعرض فى هذا المجال لشرح جوانب منها، من هنا يمكننا القول إن مصر تلاعب إسرائيل «شطرنج» بحرفية ومهارة على المستوى الدبلوماسى والمهم جعل الخصم يستسلم بعد أن «يكش ملك».

ولهذا أعتقد أن زيارة سامح شكرى- وزير الخارجية- لإسرائيل مؤخرا تأتى فى هذا الإطار خاصة أنها عنونت ببحث عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفى الواقع أنها جاءت فى أعقاب جولة أفريقية قام بها بنيامين نتنياهو- رئيس الحكومة الإسرائيلية- لأفريقيا أصدق قول بشأنها إنها كانت جزءا من محاولة إسرائيل للالتفاف على دول القارة الأفريقية نتيجة فترة الغيابالعربى عن القارة، وبالتالى لم يكن لقاء عنتيبى الأخير الذى جمع بين نتنياهو وسبعة من الرؤساء الأفارقة مفاجأة سعت من خلالها إسرائيل إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأفريقى بصفة مراقب وبحثت مع الأفارقة إمكانات التعاون لمواجهة الإرهاب، على أى حال إن محاولة تقييم المشهد الحالى للعلاقات الأفريقية- الإسرائيلية لابد أن تتم بشكل واقعى وبعيداً عن إعمال نظرية المؤامرة، لأننا امام صراع وليس مؤامرة حتى ولو كان التآمر جزءاً من جوانب الصراع وهو أمر وارد فى الصراعات بين الدول.

وفى البداية أتصور أن الجانب الأكبر من المسئولية يقع على عاتقنا نحن العرب رغم كل عوامل الضغط الخارجى على الشعوب والحكومات العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر وبشكل محدد يمكن القول إن مباركة تقسيم السودان الى سودانيين أسهم فى تكريس واقع الانفصال بين الفضاء العربى والفضاء الأفريقى دون أن نشعر.

وقبلها بسنوات تراجع المد المصرى عن أفريقيا منذ أن تعرض الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمحاولة اغتيال فى أديس أبابا فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وبدلا من البحث عن أسباب المشكلة اتخذت السياسة المصرية آنذاك موقفاً معانداً وضع حاجزاً بين أفريقيا ومصر، رغم أن مصر هى الدولة العربية الأفريقية التى أنشأت فى الستينيات منظمة الوحدة الأفريقية باعتبارها أول تنظيم قارى فى أفريقيا.. وللحديث بقية.