رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المقاطعة.. تعنى .. نعم!!


فى صباح 5 يونيه 1967 تلقى الشعب المصرى وقواته المسلحة هزيمة ثقيلة لم تحدث له من قبل.. وفقدنا سيناء بالكامل والضفة الشرقية لقناة السويس، ولكن ما يحدث الآن أكبر من الهزيمة نفسها فقد خسرنا سيناء ولم نخسر الوطن.. وبعد ثلاثة أيام

عاد الشعب المصرى من جديد ليعلن فى غضب شديد أنه يسعى لاسترداد الوطن فى سيناء... والآن يحدث ما هو أكبر من ذلك بكثير فقد أصبح الوطن كله وفى مقدمته الشعب المصرى مهدداً بخطر جسيم ويتضح هذا فى الميادين والمدن حتى المراكز والقوى وتعدى ذلك ليصل إلى الطرق والمواصلات وشرايين الحياة للمجتمع كله.. كيف يمكن أن يحدث هذا الصدع العنيف ومن الذى أشعله؟

الجميع يعلم أن ثورة يناير قام بها الشعب المصرى وفى طليعته شبابه مقدماً للعالم أول ثورة إلكترونية حطمت طاغية وعصابته وقدمنا للعالم نموذجاً للثورة الوطنية.

ولكن فجأة برزت علينا رءوس كل منها يريد أن يستولى على الحكم بمفرده ودون مشاركة الآخرين الثوار الحقيقيين!.. وبرزت جماعة الإخوان المسلمين بتشكيلها التاريخى الأكثر تنظيماً وتمويلاً لتنقض منفردة على السلطة فى مصر.. رغم أن قوى الثورة وقفت خلف الجماعة فى انتخابات الإعادة لتسقط الفريق شفيق وينجح الدكتور مرسى ولم تمر أيام حتى استبعدت هذه الجماعة كل الأطراف بلا استثناء وفعلت بهم ما فعله محمد على باشا عندما ذبح المماليك فى القلعة.. كما أن جماعة الإخوان لم تذبح الثوار بل منحتهم استمارة 6 وتركتهم داخل ميدان التحرير الذى أصبح ميدان الثورة ورمزها يبكون على الأطلال وتنظر إليهم القلعة فى شماتة!! فكيف يمكن لأحد فصائل الثورة أن يفعل ذلك تحقيقاً لهدفه التاريخى وهو يعلم أنها لا تملك الكادر القيادى فى إدارة مؤسسات الدولة.. وارتكبت الجماعة الخطأ القاتل عندما استدعت الدرجة الثانية والثالثة من بقايا نظام مبارك لتشكيل الوزارة من ثلاثين وزيراً من رعايا النظام السابق وخمسة وزراء فقط من جماعة الإخوان المسلمين ووقفت قيادات الثورة تنظر للميدان فى قهر لم تعشه من قبل حتى أيام مبارك نفسه!.. الانتصار الكبير لثورة يوليو.. ونزعت من مسودة دستورهم كل ما تبقى من مكاسب العمال والفلاحين والطبقة الوسطى وأصحاب المعاشات.. ولم يبق أمامهم سوى هذا الرمز الخالد السد العالى لكنهم فى حيرة كيف هدمه وهو المنقذ للشعب المصرى فى الفيضانات والجفاف, إنهم الآن ينظرون إليهم فى حسرة فقد ترك لهم عبدالناصر ما لم يستطع هدمه!!.. وكنا نعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين قد تعلمت من الدروس السابقة كيف تتحول إلى العمل السياسى والديمقراطى ولتصبح أحد الفصائل الرئيسية فى المجتمع.. كنت أتمنى ذلك.. ولكنى خدعت!.. والحقيقة المؤكدة التى لا تقبل حتى الشك أن الجماعة استولت على الدولة.. بفضل الصندوق الديمقراطى التى دفعت كل الجماعات الثورية كى يأتى مرشحها.. وقد أتى ولم تمر ساعات لينتهى الأمر.. لقد كانت الثورات تقوم بها فى الماضى الأحزاب والقوى الثورية ولكن هذه الثورة كانت تحتوى على طليعة جديدة وهو شباب الوطن.. ولم تدرك جماعة الإخوان أن هناك جديداً فى المجتمع وهذا يبين لنا حرق المقرات الإخوانية والخروج بالملايين فى جميع المحافظات وأصبحت طلائع الشعب تقود كل هذه الملايين بلا قائد أو حزب أو جماعة ولم يكن هناك أى تنظيم فيما بينها.. وخسرت جماعة الإخوان مساحات كبيرة من الرأى العام كانت مؤيدة لها ولم تخسر هذه المساحات فى تاريخها كله ولأول مرة يتم تناول المرشد نفسه بل ورئيس الجمهورية فى شعارات متطرفة للإسقاط ولكنا لا نعلم بعد هذا الإسقاط إلا الدخول فى وجه منهار للبلطجية وتصبح مصر العظيمة بها أعداد كبيرة من أنهار الدم بدلاً من نهر النيل الواحد!.. وكان يمكن تدارك هذا التقسيم الشعبى بأن يتولى رجال الثورة كل الحقائب الوزارية حتى يتحملوا مسئوليتهم التاريخية.. ولكن نقدم نموذجاً واحداً من رجال وزارة الدكتور مرسى وهو وزير المالية الآن فى ظل حكومة يسميها حكومة الثورة.. وهو فى نفس الوقت مدير مكاتب بطرس غالى الذى حطم كل آمال شعب فى أموال التأمينات.. فهل مصر دولة عقيمة ليس بها أحد سوى هذا الرجل!! وجاءت الصدمة الكارثية من بعض المواد القليلة فى مسودة الدستور لتحمل لنا كراهية عميقة لم نعشها من قبل، فقد جاءت هذه المسودة لتقسمنا فقراء وأغنياء ومسلمين ومدنيين!! ونكتفى بعرض بعض هذه المواد ليعلم الرأى العام كيف تم نشلنا مما نعيش فيه الآن إلى الأسوأ.. وتتضمن هذه المسودة المادة 28 تشجع الدولة الادخار، وتحمى المدخرات وأموال التأمينات والمعاشات وينظم القانون ذلك.. وهذا يعنى أن أموالنا أصبحت داخل الخزانة العامة وبضمانها وهذا هو ما فعله بطرس غالى عندما حول أموالنا من الاستثمار إلى الخزانة العامة مقابل صكوك غير قابلة للتداول وخطابات بضمانة الخزانة العامة.. وأصلاً هذه الأموال غير موجودة على الإطلاق وبهذه المادة تحولت أموالنا إلى حزمة ورق يلوح بها ممتاز السعيد فى وجه أى تحقيقات أو الرد على سؤال من أى مسئول ويساعده فى ذلك «معيط» المستشار التأمينى لـ «غالى» ونائب وزير المالية الحالى أى أنهما كانا من رجال الثورة.. ولكنها المضادة!! أى أن أموالنا قد ضاعت ولن تعود بفضل هذه المادة اللعينة التى زج بها لتهدد أكثر من 70٪ من الشعب المصرى من أصحاب المعاشات والمؤمن عليهم.

أما بعض المواد الأخرى فاكتفت بضياع القطاع العام ونصت على وجود 50٪ من العمال فى مجالس الإدارات.. والجميع يعلم أن القطاع العام هو محدود للغاية وما هو موجود هو قطاع الأعمال! أى أن قطاع الأعمال سيعرض قريباً للبيع بفضل هذه المادة من مسودة الدستور!

وكانت الجريمة الكبرى عزل العمال والفلاحين حتى الطبقة الوسطى من الترشح لمجلس الشورى حيث نصت المادة على شرط الترشح أن يكون حاصلاً على مؤهل عال على الأقل.. وهذا النص لم يكن موجوداً فى ظل برلمانات ما قبل الثورة.. «وبلاش» وما بعدها.. أليس هذا انتقاماً من الشعب المصرى، حيث تحولت الأغلبية منه!!

وكانت المجالس المحلية لم يذكر فيها على الإطلاق أى نسبة من شروط الترشح وأصبح كل العمال حتى الطبقة الوسطى خارج الخدمة! وجاء الخداع والتضليل فى «المادة 236 ــ يمثل العمال والفلاحون بمجلس النواب بنسبة 50٪ ويعتبر عاملاً كل من يعمل لدى الغير بأجر ويعتبر فلاحاً كل من عمل بالزراعة 10 سنوات على الأقل وذلك لمدة دورة برلمانية واحدة».. ليتم تمزق الحضور السياسى للعمال والفلاحين ويصبح كل من يعمل لدى الغير من رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين والأطباء والمهندسين ورؤساء الشركات وغيرهم عمالاً، ويتحول العمال إلى فئات حتى ترتاح نفسية جماعة الإخوان وتزج من أعماقها بقايا ثورة يوليو رغم أن أغلبهم ووظائفهم المرموقة كانت من جهد هذه الثورة وعرق العمال ولمرة واحدة فقط كأن ذلك حسنة أو صدقة منحوها لنا هبة ولم تعد مرة أخرى!

وكان نص «المادة 219 ــ مبادئ الشريعة الإسلامية تشتمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السُنة والجماعة»، ونحن نعلم أن أهل السُنة والجماعة هو إجماع الفقهاء والمذاهب الأربعة ولكن هذا كان فى الماضى البعيد وعندما ينص عليه فى الدستور تصبح الجماعة هى أى جماعة ومنها جماعة الإخوان، فكيف يتم الزج بكلمات متفق عليها ونحن نعلم الحقيقة ولكن العصر الآن يختلف فى التسميات مما سوف يوقعنا فى مشاكل كنا لا نريدها ولكنها حدثت. وما حدث فى الاجتماع الأخير للرئيس مرسى وبقيادة نائبه ووجود بعض الرموز والأحزاب وأغلبها من مناصريه ومؤيديه والذين استمروا حوالى عشر ساعات متواصلة ليخرجوا علينا بإعلان دستورى بديل مع العلم أن كل الإعلانات الدستورية التى تمت صياغاتها بعد الإعلان الدستورى الأول المستفتى عليه من الشعب هو خروج عن الدستور نفسه، حتى الأعراف والتقاليد تعنى أن كل هذا غير مشروع، وجاءت الخلطة بإعلان دستورى آخر يحمل نصف الإعلان الدستورى السابق إرضاء لبعض الفئات المعترضة على ذلك ولكن تبقى الكارثة أن مسودة الدستور سوف تعرض يوم السبت المقبل أى بعد يومين فقط وكان هذا هو ضرب كل أحلام وآمال الشعب المصرى فى أن يرى حياة جديدة.. ولكن أدخلوه فى نفق مظلم وأصبحوا يشهرون سلاح الميليشيات والتهديد والوعيد وكأننا أصبحنا نعيش منعزلين عن هذا الوطن.. إننا نوجه نداء إلى كل أصحاب المعاشات والمؤمن عليهم أن يدافعوا عن حقوقهم المغتصبة فى ظل نظام مبارك السابق بمسودة الدستور الحالى.

وإننا نطالب كل من هو مؤمن عليه أن يذهب إلى صناديق الانتخاب ليشهدونها ويعتبرونها ملجأ للديمقراطية، اذهبوا وصوتوا.. لا .. لا.. فهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ هذه الأمة مما تتجه إليه ونحن نعلم أن الميليشيات ستقف عند الصناديق ولكن الشباب المصرى أكبر وأقوى من كل هذه الميليشيات.. إن عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو كما يصوت بـ «نعم» وهذا هو أخطر عملية اغتصاب لأصوات المواطنين فقد تم تمزيقنا من مسلمين ذاهبين إلى الجنة بقوله «نعم» ومن يقول «لا» طريقه إلى جهنم.. فهل يمكن التصويت بهذا الأسلوب الذى يقسمنا إلى جنة ونار.. أليس هذا يخالف «شرع الله»؟!.. اذهبوا وصوتوا ولا تتركوا أصواتكم ليستغلها الآخرون فهم لديهم الحجج حتى فى إخفاء معالم السرقة