رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانفصال البريطانى.. وحتمية الوحدة العربية


لم يكن الاستفتاء الذى أجرى فى بريطانيا قبل أيام قليلة على بقاء أو انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى مجرد استفتاء شعبى يعكس قيم الديمقراطية فى المملكة المتحدة، بقدر ما كان زلزالاً اهتز له العالم أجمع وليست لندن فقط.. بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبى بنسبة تصويت 52%.. هذا هو العنوان العريض الذى استقبلناه جميعاً، وقد تبع هذا الحدث الجلل العديد من التحليلات الخزعبلية والفتاوى ممن يدعون المعرفة أو الخبرة فى الشأن الأوروبى والعالمى... لا جديد فهذه هى آفة حارتنا.. لكن فى هذا الشأن نتعرض لعدد محدد من المسائل المترتبة على خروج بريطانيا من اتحاد ميركل الأوروبى..

أولاً: انتهاء حلم الوحدة الأوروبية الذى استمر عدة عقود، هذا على الرغم من أن بريطانيا مجرد عضو واحد فى اتحاد يضم العديد من الدول، لكن بالنظر إلى قيمة هذه الدول وقوتها فلن نجد مثيلاً لبريطانيا إلا ألمانيا التى ستتحمل من الآن عبء الاتحاد ودوله الشرقية التى تعانى من مشكلات مادية لا حصر لها. ثانياً: الاستفتاء يضع أمام أعيننا حقيقة واضحة لا شك فيها ألا وهى أن اليمين المتطرف فى أوروبا يزداد وذلك بالتوازى مع ارتفاع أسهم المرشح الجمهورى المتطرف لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب والذى يتفق فى توجهاته مع انفصال بريطانيا وكذلك الدعوات التى يطلقها أنصار اليمين فى بقية دول أوروبا ومنها ألمانيا نفسها، وهذا إن دل فيدل على سنوات مقبلة أكثر سوءًا من سابقيها وتنامى للعنف والتطرف بل والعزلة وارتفاع النعرات القومية على حساب الإنسانية والوحدة والعولمة خصوصاً فى حال فوز ترامب بسباق الرئاسة.

ثالثاً: من المتوقع أن يكون لهذا التصويت أثر سلبى على النمو فى بريطانيا فى المدى القصير على الأقل، وقد يدفع البلاد نحو الركود، كما أنه قد يدفع بنك إنجلترا المركزى إلى خفض أسعار الفائدة إلى الصفر، واختبار مدى استعداد الدائنين للاستمرار فى تمويل عجز الموازنة البريطانية.

رابعاً: تراجع قيمة الجنيه الأسترلينى، وقد رأينا بوادر هذا فى أعقاب التصويت مباشرة، إلى جانب اضطرار الحكومة، أى حكومة ستكون، على تعويض ما ستخسره من الخروج عبر الضرائب والسياسات التقشفية التى تتضمن خفض الخدمات الاجتماعية بما فى ذلك الصحة والتعليم، ومن غير الواضح أيضاً كيف سيكون حال المزارعين فى الريف البريطانى بعد توقف مليارات الجنيهات التى كانوا يحصلون عليها سنوياً كدعم من ميزانية الاتحاد الأوروبى للنشاط الزراعى.

إذن بنظرة تحليلية بسيطة ندرك مدى الخسائر التى ستحل ببريطانيا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، على المستوى الاقتصادى والقوة التجارية عبر العالم فى المقام الأول وفى قوة القرار السياسى البريطانى وربما تغير توجهاته عما رأيناه فى العقود الأربع الماضية فى المقام الثانى.

فى خضم هذا كله وما سيتبع قرار الانفصال البريطانى عن بقية أوروبا من تداعيات وآثار، يبرز سؤال مهم جداً حول وضع الدول العربية ومصر والخليج على نحو خاص لما لها من ارتباطات واستثمارات فى السوق البريطانية. عزيزى القارئ.. سأحاول خلال هذا المقال أن أقدم طرحاً أراه الأفضل للدول العربية مجتمعة فى ظل الاضطراب الذى يسود العالم وسيسوده خلال السنوات القليلة المقبلة.. إننى أؤمن مثل كثيرين بضرورة تحقيق الوحدة العربية الجوهرية وليست الوحدة العربية الشكلية الحاصلة حالياً.. لقد تبين من خلال عدد من الأحداث والمواقف المختلفة أن الدول الغربية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية لا تصبو إلا لمصالحها فقط وفى سبيل ذلك تستغل الدول الأخرى ومن بينها الدول العربية التى استنفدت على مدار سنوات طويلة وعانت الانشقاق والانقسام بينها وبين بعضها..

إن هذه اللحظة هى المواتية لتحقيق الوحدة العربية.. الوحدة فى إقامة سوق عربية مشتركة حقيقية.. الوحدة فى المصير.. الوحدة فى السياسات ومن ثم القوة وفرض الرأى والقرار العربى.. الوحدة فى استغلال الموارد البشرية والمادية وتبادلها وتحقيق النهضة للعالم العربى أجمع.. الوحدة فى تبادل الخبرات والعمل على إعلاء الكلمة العربية.. مر وقت طويل وحاول كثيرون تحقيق الوحدة بدءًا من الوحدة بين مصر وسوريا ثم الموقف العربى العظيم فى حرب أكتوبر عام 1973 عندما اتخذت الدول الخليجية قرارها بمنع تصدير البترول إلى أمريكا والدول الأوروبية التى تساعد إسرائيل فى حربها ضد مصر.. إننا فى أمس الحاجة لهذا الموقف ليس لوقت عارض أو مسألة مؤقتة بل بشكل دائم ومستمر.. ليس معنى هذا الطرح الذى ألح عليه الآن من خلال كلماتى تلك دعوة للعزلة العربية عن بريطانيا وبقية العالم، وإنما هى دعوة للوحدة العربية الحقيقية ومن ثم تقوية القرار العربى والتعاون مع العالم من منطلق الاستقلالية والندية والمصالح المشتركة وليس التبعية فى أى شأن.. وختاماً، يبقى القول إن العالم أجمع بعد استفتاء بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبى سيختلف تماماً عن هذا العالم قبل الاستفتاء، وقريباً سنرى العديد من التحولات والآثار.