رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التهديدات حين تخفق والوعود حين تنجح!


لاحظ منظر المباريات السياسية توماس شيلينغ ذات مرة أن هناك أمرين يعتبران مكلفين جداً فى السياسة الدولية، التهديدات حين تخفق والوعود حين تنجح. الرئيس السابق جورج بوش الابن سار على طريق لقنه هذا الدرس فقد أسرف فى إطلاق التهديدات لإيران لمنعها من صنع أسلحة نووية، وثبت أنها تهديدات فارغة ولم تجن الولايات المتحدة منها سوى تقليل مصداقيتها فى أنحاء العالم، الرئيس باراك أوباما استوعب الدرس وتفادى إطلاق التهديدات المنذرة المتوعدة. وسار فى طريق المفاوضات حتى نهايته السعيدة. غير أنه وقع فى فخ إخفاق الوعود. حيث كان الخط الأحمر البراق الذى رسمه للأسد فى صيف عام 2012، وكان من نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن قد حذر أوباما كثيرًا من رسم خط أحمر على الأسلحة الكيميائية، لكن أوباما تراجع عن ضرب سوريا فى صيف عام 2013، ولخطورة التهديدات حين تخفق كما اقترح كيري، فى تصريحات له يوم 30 أغسطس 2013.

إن الأسد يجب أن يعاقب جزئياً؛ لأن «مصداقية للولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها المستقبلية» كانت على المحك. وكانت «ترتبط ارتباطاً مباشراً بمصداقيتها وما إذا كان البلدان لا تزال تصدق الولايات المتحدة عندما تقول شيئاً، لكن أوباما يصف التهديدات حين تخفق فى سوريا عبر مقابلته الأشهر مع مجلة ذى أتلانتيك «بان تاريخ الثلاثين من آب أغسطس «يوم اتخذ أوباما قرار عدم ضرب سوريا» كان يوم «التحرير» بالنسبة له، حيث تحدى ليس فقط مؤسسة السياسة الخارجية وقواعد اللعبة التى تمارسها هذه المؤسسة، بل ايضاً حلفاء أمريكا. وما قاله أوباما بأن يوم اتخاذ قرار عدم ضرب سوريا كان اليوم الذى «رمى فيه جانباً» دفتر قواعد اللعبة التى من المفترض أن يتبعها الرؤساء الأمريكيون. إن كان هنالك من رئيس أكّد على المثل الذى قاله الحاكم الديمقراطى السابق لولاية نيويورك، السيد ماريو كيوكو، حول أن المرشّحين «يشنّون حملاتهم الانتخابية شعراً، إنما يحكمون بعدها نثراً»، فلا شكّ أنه السيد أوباما.

واعتقد أن إخفاق أوباما بوعده سينصفه التاريخ لأنه جنب سوريا معضلة اليوم التالى للأسد ربما كانت داعش والنصرة يحكمان سوريا كما حكمت الفوضى ليبيا فى قرار غير مدروس بإزاحة القذافى لم يأخذ الإجابة على اليوم التالى لسقوط القذافى. وهذا القرار يعتبر تجسيداً لعقيدة أوباما التى تقوم على عنصرين: الأول الانحسار الطوعى لأمريكا وسحب اهتمامها بالمجال الدولى إلى كل ما هو داخلى ومحلي، أو ما يسميه أوباما «البناء من الداخل»، والثانى احتواء الخصوم على أمل تغيير سلوكهم. ولعل ما يبرر هذه العقيدة ويعتبرها معظم النقاد نسقاً ثابتاً فى سياسات أوباما، وليس مجرد رد فعل عابر على أحداث عالمية، هو الأولوية التى يعطيها لعملية البناء الداخلي، فكى يتفرغ لتمرير مشاريعه الليبرالية سواء فى الرعاية الصحية أو ضبط التعاملات المالية وغيرها من الأمور، يتعين عليه تصفير عداد السياسة الخارجية وعدم الوقوع فى فخ الانخراط غير المأمون خارجياً. ويعتبر أوباما من أكثر الرؤساء الأمريكيين نجاحاً على صعيد السياسة الداخلية بدليل أنه وهو على أعتاب مغادرة البيت الأبيض فى شهر يناير المقبل وفق جميع استطلاعات الرأى العام على المستوى القومى الأمريكى أكثر شعبية بكثير من مرشحة الحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون ومن ترامب مرشح الحزب الجمهورى لرئاسة الجمهورية. مما يدل على أن الأمريكيين ليسوا مرتاحين للمرشحين معاً.

■ خبير فى الشئون السياسية والاستراتيجية