رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرقابة المجتمعية على الإعلام


الرقابة والرقيب كلمتان سيئتا السمعة منذ عهود سابقة لأنهما فى الإعلام ارتبطتا بمصادرة حق تداول المعلومات ورآها البعض تعدياً سافراً على فكرة الإبداع الفكرى ومحاولة سافرة لوأد الممارسة الديمقراطية على المستوى السياسى، وبعد أن شهدت مصر ثورتين فى أقل من خمس سنوات ظل الانطباع مستمرا والحديث عن أى شكل من أشكال الرقابة يقابل بهجوم شديد، وأذكر أنه خلال الانتخابات التشريعية عام 2011 كنت عضواً ضمن اللجنة التنسيقية للانتخابات التابعة لمجلس الوزراء، وعندما تطرقنا لموضوع الرقابة على الانتخابات من قبل منظمات المجتمع المدنى سواء من مصر أو الخارج ارتأى البعض أن كلمة رقابة سيكون لها رد فعل سلبى، ومن ثم يجب استبدالها بكلمة أخرى أقل وطأة وهى المتابعة رغم أن المفهومين على الأرض فى التطبيق العملى واحد وما يعنينا هو هل فعلا لا يجب أن توجد رقابة فى عملية الاتصال الجماهيرى أو الإعلام الذى يتمثل فى رسائل تدخل كل بيت بلا استئذان وخروجه من دائرة الرقابة بمفهومها الواسع؟

مما لاشك فيه أننا نعيش فوضى إعلامية اختلطت فيها المفاهيم خاصة بين السياسة والإعلام، الأمر الذى أدى إلى الإمعان فى الانفلات، حيث تختلف الرقابة الإعلامية عن الرقابة بمعناها السياسى أو الأمنى، لكن النظر إليها على أنها واحدة وفى كل الحالات وعلى كل المستوبات هو خروج متعمد عن دائرة الصواب لإبقاء الوضع على ما هو عليه من عدم استقرار مهنى فى الأداء الإعلامى، ويجب أن نتعامل مع مفهوم الرقابة فى الإعلام من رؤية مختلفة تماما عن البعدين الأمنى والسياسى لأنهما مرتبطان بمستوى صنع واتخاذ القرار أو بمستوى عملية رسم السياسات لكن الرقابة الاعلامية المقصود بها هنا أنها تعنى المحاسبة الذاتية بما يخضع الأداء لمجموعة من القيم والمعايير المهنية، بحيث يضع الإعلامى أو صانع الرسالة الإعلامية سواء كان محرراً معداً ومذيعاً مقدما للبرامج أو مراسلاً فى إطاره المرجعى سؤالا من الضرورى أن يجيب عليه قبل إرسال رسالته للمستقبل أو المتلقى .. ما ردود الأفعال المتوقعة بعد وصول الرسالة الإعلامية؟ هل هذه الردود متفقة مع الهدف من الرسالة؟ هل نجحت وبأى نسبة فى الالتزام بالقيم والمعايير المهنية؟ من هنا نكتشف أن الرقابة الذاتية تصحح المسار الإعلامى وتبتعد سواء بالإعلامى أو المتلقى عن حالة العشوائية فى العلاقة بينهما وتضمن أداء مهنياً تحكمه قواعد علمية محددة.

لكن السؤال إذا غابت الرقابة الذاتية واستمرت الفوضى الإعلامية ما السبيل للخروج من هذه المعضلة إذا جاز التعبير؟ هنا نقول إنه يجب أن يتوافر مستوى أوسع من الرقابة وهو ما يمكن تسميته برقابة المجتمع المدنى من خلال مؤسسات غير حكومية متخصصة ترصد الأداء فى وسائل الإعلام وتفتح حوارا ايجابيا حول ما يثار فى هذه الوسائل من موضوعات وقضايا لكن فاعلية هذا المستوى من الرقابة يتم بعد إرسال الرسالة وليس قبلها، وهنا نعتقد أن دورها تقييمى للأداء وليس تصحيحا له، فدائما تصحيح الهدف يتم قبل إطلاق الرسالة وتسهم الرقابة المجتمعية للإعلام فى عملية إيقاظ الرقابة الذاتية لدى القائم بالرسالة وتشجع المؤسسات الإعلامية على وضع دليل عمل للسياسة التحريرية يضبط الأداء ويحقق الهدف من الرسالة ويضمن وجود ما يعرف بمواثيق الشرف الإعلامية!!