رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبير اقتصادي يستعرض موازنة 2017.. 58 مليار جنيه مصروفات مبهمة.. والأجور ترتفع بالتناقض مع تصريحات الوزراء.. والضرائب تثقل كاهل المواطن بزيادة 19%.. وخطأ في تقدير العجز والنمو

جريدة الدستور

تعد الموازنة العامة للدولة بيان تفصيلى لمصروفات وإيرادات الدولة المتوقعة خلال العام المالى القادم، ولأن الموازنة تقديرية فإنها تقوم على تنبؤات، وحتى تكون التنبؤات علمية فإنها تستند إلى فروض وضوابط كمية وكيفية لا تصح الموازنة ولا تكتمل إلى بواقعية تلك الفروض وإحكام تلك الضوابط.

وقال الدكتور مدحت نافع، خبير الاقتصاد ومدير عام المخاطر بالبورصة المصرية، إن الحكومة تنبأت بزيادة إجمالى الإيرادات بنهاية العام المالى القادم بنسبة 20.2% عمّا هو متوقع أن تجنيه الحكومة بالفعل بنهاية العام المالي الحالي، راجيا أن تكون الوزارة بنت هذا التوقّع على أسس واقعية.

وأشار نافع، إلى أن المصروفات العامة من أهم البنود موازنة 2016/2017، وتتوقع الحكومة أن تنفق خلال العام المالى القادم 936,094 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 12.9% عمّا هو متوقع إنفاقه بالفعل فى موازنة العام الجارى المنتهى فى 30/06/2016.

ورصد خبير الاقتصاد، أن الزيادة يقع معظمها فى بندى الفوائد والأجور وتعويضات العاملين حيث تمثّل الفوائد ما يزيد قليلاً عن 31% وتمثّل الأجور أكثر من 24% من إجمالى المصروفات.

وزادت الفوائد المتوقع سدادها العام المالى القادم بنسبة 19.9% عن العام المالى الحالى، بينما زادت الأجور بنسبة 7.6%.

وعلق نافع، على الزيادات، واصفا الموازنة بالاستثنائية، فى كون بند الفوائد يمثّل أكبر بنود مصروفاتها ويأتى فى مرتبة أعلى من الأجور.

وأكد ان بند المصروفات الأخرى يمثل ما نسبته 6.2% من إجمالى المصروفات بعد أن بلغ تقديره 58,1 مليار جنيه بزيادة قدرها 7% عمّا هو متوقع إنفاقه فعلياً فى البيان الختامى للموازنة الحالية.

وأشار الى ان الملفت فى هذا البند أنه يأتي بأقل قدرٍ من التفصيل والتحليل في البيان التحليلى للموازنة ويحتل ما يسمى بالقطاعات الوظيفية الأخرى ما نسبته 93% من هذا البند المبهم.

واوضح ان الاستثمارات الحكومية ارتفعت بنسبة 50,1% عن الاستثمارات المتوقع إنفاقها بنهاية العام المالى الجارى، حيث بلغ القيمة التقديرية لتلك الاستثمارات فى العام المالى القادم 107 مليار جنيه بنسبة تزيد عن 11% من إجمالى المصروفات، فى توجّه أفضل نسبياً نحو التحوّل إلى الإنفاق الاستثمارى عوضاً عن استنزاف الموازنة فى الأجور والفوائد والدعم.

وقال: بالطبع الاستثمار الحكومى لن يكون محفزاً للنمو الاقتصادى وحده بل التعويل على الاستثمار الخاص والذى مازال دوره محدوداً هو الآخر فى حفز النمو الاقتصادى فى مصر حيث أن الاستهلاك مازال المحفّز الأكبر له.

واوضح ان من أهم بنود الإيرادات العامة والتى تتوقع موازنة 2016/2017 زيادة الإيرادات الضريبية بنهاية العام المالى القادم بنسبة 19.5% عن متوقع العام المالى الحالى محققة ما قيمته 433,3 مليار جنية وهو ما يمثّل تقريباً 69% من جملة الإيرادات التى يتوقع أن تحصّلها الدولة (الضرائب والجمارك على التبغ وحده بلغ تقدير المالية لها 10% من جملة الإيرادات الضريبية).

بينما يتوقع أن تبلغ الإيرادات غير الضريبية ما قيمته 195,5 مليار جنيه بزيادة نسبتها 23.5% عن متوقع العام الحالى.

مضيفًا أن هذا يجعل الموازنة شديدة التفاؤل لأنها تفترض رغم تراجع مستويات المعيشة والأزمة الاقتصادية التى تعانى منها قطاعات واسعة من الشعب أن ترتفع الحصيلة الضريبية بنسبة تقترب من 20% وأن تتمكّن الدولة من زيادة إيراداتها من أرباح الأسهم التي تملكها والإيجارات وبيع السلع والخدمات بنسبة تقترب من ربع ما هو متوقع تحصيله هذا العام الجارى.

وأشار إلى أن الإيرادات الضريبية لا زالت تعتمد بشكل أساسي على ضرائب السلع والخدمات (التي عدّلت قليلاً لتصبح أقرب إلى ضريبة القيمة المضافة) وذلك بقيمة تزيد عن 201 مليار جنيه وبنسبة تصل إلى 32% من إجمالي الإيرادات.

وتابع أن الضرائب على أرباح شركات الأموال تأتى بقيمة 95,8 مليار جنيه ثم الضريبة على دخول الأفراد وخلافه بقيمة تزيد عن 52 مليار جنيه بينما تظل ضريبة الأرباح الرأسمالية فى حدود 2,5 مليار جنيه معظمها من توزيعات الأرباح.

وأوضح أن الفرق بين المصروفات والإيرادات المتوقعة يمثّل ما نطلق عليه العجز النقدي، والذي يبلغ ما يزيد عن 305 مليار جنيه بزيادة قدرها 26% عن موازنة 2015/2016، لكن المتوقع تحقيقه من عجز فعلى بنهاية العام الجاري يبلغ 303.7 مليار جنيه، أي أن انحراف العجز الفعلي عن العجز الذي كان متوقعاً في العام المالي الحالي يبلغ تقريباً 26%.

موضحًا أنه إذا افترضنا أن يحيد العجز الفعلي لعام 2016/2017 عن المتوقع بذات النسبة، فليس مستبعداً أن يبلغ العجز الفعلي ما قيمته 384 مليار جنيه.

كذلك تهتم المؤسسات المالية الدولية بنسبة العجز الكلى للموازنة (العجز النقد مضافاً إليه صافى حيازة الدولة للأصول) ويعد ارتفاع تلك النسبة مؤشراً هاماً على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية.

وبلغ العجز الكلى فى موازنة 2016/2017 ما قيمته 319,5 مليار جم لكن وزارة المالية نسبته إلى ناتج محلى إجمالي متوقع مقداره 3,2 تريليون جنيه، أي نحو 3200 مليار جنيه، فأصبحت نسبة العجز المتوقع 9.8% مقارنة بعجز فعلى للعام الحالي لا يمكن أن يقل عن 11.5%.

وبذلك تكون وزارة المالية قد توقّعت ارتفاع معدل نمو للناتج المحلى الإجمالي بنسبة 5.2% بينما لا يزيد المتوسط العالمي عن 3.2% (خاصة في ظل التباطؤ المرتقب فى مختلف الاقتصادات مدفوعاً بتباطؤ اقتصادات الدول النامية).

وأوضح أن الملفت أن الجانب الأكبر للزيادة في الناتج المحلى الإجمالي تقع في الاستثمارات الخاصة التي تستهدف الحكومة جذبها في العام المالي القادم والبالغة وحدها أكثر من 500 مليار جنيه (أي أكثر من 50 مليار دولار).

وما سبق يوضّح أن الزعم بأن عجز الموازنة المتوقع قد انخفض لانخفاض نسبته إلى الناتج المحلى الإجمالي يدفعه ما أظنه فروضا غير واقعية فيما يتعلّق أولاً بحجم الناتج المتوقع (كلما ارتفاع انخفضت النسبة) وفيما يتعلق ثانياً بقيمة العجز الفعلي الذي عادة ما ينحرف عن المتوقع بنسبة بلغت 26% العام الحالى.

ولفت الى ان النسبة الأخرى التى تهتم الدول بالسيطرة عليها هى نسبة إجمالى الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى وإذا كان الدين العام سيبلغ نحو 3,1 تريليون جنيه فإن نسبة هذا الرقم إلى الناتج الإجمالى تجعل الدين العام فى حدود 97% وهى نسبة كبيرة، فإذا أخذنا فى الاعتبار عدم واقعية تقديرات الناتج المحلى الإجمالى فإن هذه النسبة قد تتخطى لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث 100% من إجمالى ما ينتجه المجتمع من سلع وخدمات.

وحول العجز الكلى والقروض، قال نافع أن الحكومة ستكون ملتزمة بتمويل عجز الموازنة الناتج عن قصور الإيرادات عن تغطية المصروفات والبالغ 319,5 مليار جنيه فضلاً عن أقساط قروض خارجية وداخلية سابقة قدرها 256,3 مليار جنيه بإجمالى قدره 575,7 مليار جنيه.

وتتوقع الحكومة تمويل هذا المبلغ بشكل أساسي عن طريق إصدار أذون وسندات حكومية جديدة بقيمة 574.9 وبالقطع تظل النسبة الأكبر من هذا الإصدار دين محلى والذى يزيد عن 84% من إجمالى الدين العام.

وأوضح أن ذلك يجعل البنوك التجارية تكسل عن الاضطلاع بدورها الأصيل في الاقتصاد بإقراض القطاع الخاص لتمويل استثماراته التى يمكنها فعلاً التأثير إيجاباً على نمو الاقتصاد وفرص التشغيل، بسبب تفرغه لتمويل العجز والأقساط بشراء مزيد من سندات وأذون خزانة الدولة بفوائد ضخمة.

وتسائل نافع عن كيفية تمويل الدولة العجز وأقساط الديون من ودائع المواطنين، وتحرم الاقتصاد من الاستثمار الممول مصرفيا، ثم تتوقّع ارتفاعات كبيرة بمعدلات النمو؟.

وبلغ إجمالي البعد الاجتماعي في الموازنة، ما قيمته 420,7 مليار جم بنسبة حوالى 38% من إجمالى الإنفاق وتزيد عن 13% من الناتج المحلى الإجمالى المتوقع وربما كان هذا التصنيف محاولة للوفاء بالاستحقاق الدستوري الملزم للحكومة بوصول الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى ما لا يقل عن 10% من الناتج المحلى الإجمالى فى موازنة العام المالى الجديد.

وأضاف أن تراجع المنح المتوقعة إلى ما قيمته 2.2 مليار جم مقارنة بنحو 25.4 مليار عام 2014/2015 وبنحو 95.9 مليار عام 2013/2014 من شأنه أن يضع ضغوطاً كبيرة على الموازنة العامة للدولة وأن يلقى بظلاله على جدوى التوسّع فى تمويل المشروعات العملاقة من موارد الخزانة العامة المثقلة بالعجز والديون وفى ظل شح موارد النقد الأجنبى.

كذلك من المتوقع أن يؤدى تراجع الدعم الممنوح للطاقة، والتحوّل إلى ضريبة القيمة المضافة وتراجع الواردات نتيجة شح الدولار إلى مزيد من ارتفاع الأسعار فى ظل معدلات للتضخم تقترب من 11% رسمياً.