رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كشف المستور فى مسودة الدستور!


إن الأوضاع الناجمة عن الإعلان الدستورى كافية للقول بضرورة رفض مسودة الدستور حتى لا يؤدى إلى تشكيل ديكتاتور جديد، ومن طراز جديد، لكن ليس من الممكن ولا من المقبول ألا نكتفى بهذا السبب.

يواجه الشعب المصرى فى غضون نحو أسبوع استفتاء على مشروع دستور مثير للجدل، وإن كانت الظروف التى أحاطت بوضع مسودته أكثر إثارة للجدل من نصوصه، فظروف إصدار الإعلان الدستورى الذى أصدره رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى أخطر بكثير من الملاحظات الموضوعة أو المقدمة على النصوص، فالإعلان المذكور يصنع ديكتاتورا لم يسبق له مثال، فهو يمهد لرئيس له سلطات تنفيذية وتشريعية وفوق قضائية، بحيث أصبحت قراراته غير خاضعة للرقابة القضائية ولا للرقابة التشريعية البرلمانية أو غيرها، كما أن نفس النصوص المطلوب الاقتراع عليها تخول بعض السلطات الفردية لم تعط لحاكم سابق ربما باستثناء نمرود إبراهيم عليه السلام، وفرعون موسى عليه السلام، حيث قال الأول «أنا أحيى وأميت»، بينما قال الثانى «أنا ربكم الأعلى»، وهنا -هما- لم يمنحهما لهما أحد ولكنهما اغتصبها أو فرضها، تماما كما فعل الدكتور محمد مرسى حينما حصن قراراته من النقض القضائى.

تذرع الدكتور مرسى بحجة أنه كان مضطرا لإصدار الإعلان الدستورى بغياب المجلس التشريعى وبتدهور الاقتصاد، وبتسرب أحكام المحاكم قبل صدورها، كما تذرع بما يسميه بقايا النظام السابق، وللأسف فإن كثيرين قد سايروه فى هذا التعليل، ونسى الرئيس ومؤيدوه أن هناك ذرائع أشد هو نفسه لا يقبلها، يكفى أن أتذكر ما يحدث فى سوريا لتكون قرارات بشار الأسد مبررة أكثر من قرارات محمد مرسى.

لقد كان لقرار الرئيس السابق ذكره صداه، ليس المحلى والإقليمى فقط، بل وصداه العالمى أيضا، وجرى انتقاده من جهات كثيرة يمكن أن ينطبق عليها وصف « طوب الأرض»، ولم تخل من جهات على صلة طيبة بالرئيس، فنجد وزارة الخارجية الأمريكية وهى التى لا تترك فرصة للحديث عن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية تنتقده، كما تنتقده جهات أوروبية كثيرة، كما أن جهات مصرية وعربية وشرق أوسطية انتقدته، وربما يكون الرئيس قد حقق رقما قياسيا فى عدد مستشاريه الذين استقالوا نتيجة لهذا الاعلان والذين انتقدوه، لكن من جهة أخرى نجد أن العدو الصهيونى ممثلا فى حكومته ورئاسة حكومته وجيشه طبعا ركبت أذنا من طين وأخرى من عجين حتى لا تعلق على الإعلان الدستورى المذكور.

أكمل الرئيس الإعلان الدستورى بإصدار قراره بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع الدستور بعد خمسة عشر يوما، أى يوم الخامس عشر من ديسمبر الحالى بهدف تضييع الفرصة على الذين يريدون الطعن فى الإعلان وقرارات الرئيس وفرض أمر واقع جديد بإجراء الاستفتاء على مسودة الدستور والتى ينتظرون أن يؤدى إلى الموافقة بنعم وهنا يصبح أى طعن فى الدستور غير ذى موضوع باعتبار أن الشعب قد وافق عليه وبغض النظر عن صحة المقولة، أى أن الرئيس ومعاونيه والذين يؤيدونه يقصدون أن تزيف إرادة الشعب، إما بضبابية الصيغة والنصوص، وإما بالاعتماد على أن نسبة عالية فى الشعب ما زالت غير متعلمة، وغير قادرة على التفرقة بين النصوص، وأن آخرين لا يدركون حقيقة الاختلاف بين المواد، وأن البعض مشغول بالمطالب اليومية من خبز وطعام، وبوتاجاز، وملبس ومصاريف تعليم وعلاج عن أمور الدستور ويعتبرونه ترفا ليسوا قادرين على ممارسته، وهكذا يريدون أن يسرقوا موافقة الشعب على مسودة الدستور، خاصة أن هناك من ينظرون إلى القضية على أنها قضية الشريعة والشرعية، أى أنهم يحولون القضية إلى قضية دين أى قضية الإسلام، وليس قضية دستور وقوانين.

إن الأوضاع الناجمة عن الإعلان الدستورى كافية للقول بضرورة رفض مسودة الدستور حتى لا يؤدى إلى تشكيل ديكتاتور جديد، ومن طراز جديد، لكن ليس من الممكن ولا من المقبول ألا نكتفى بهذا السبب لرفض مسودة الدستور، لذا فإننا لا بد من أن ندرس المسودة، وأن نوضح ما لا نقبله فيها خاصة أن الذين كتبوا هذه المسودة قد حكمتهم مجموعة من القيم التى لا بد وقد انعكست على المسودة وبالتالى يجب الاعتراض عليها، وأن يتم العمل على إسقاط المسودة والإعلان الدستورى عن طريق التصويت. وإذا كان البعض يفكر فى مقاطعة الاستفتاء فهو لا بد أن يدرك أن المقاطعة فى مثل هذه الحالة تساعد الطرف الآخر بدلا من أن تعرقله، وقد كانت الأحزاب قبل يناير 2011 تتبع أحيانا استراتيجية المقاطعة لكنها لم تحقق شيئا، وبالعكس فقد استفاد الخصم المتمثل فى الحزب الوطنى الديمقراطى حيث سهلت المقاطعة تحقيق الأغلبية اللازمة للفوز ودون الحاجة إلى التزوير، الاستراتيجية الأخرى هى التصويت بعدم الموافقة وهى استراتيجية إيجابية وهى الوحيدة التى يمكن عن طريقها منع الخصم من تحقيق أهدافه، لكن هذا يتطلب أولا درجة عالية من الوعى السياسى، وهو أمر يصعب التأكد من تحقيقه أو وجوده، كما يتطلب قدرة على كشف المستور فى مسودة الدستور حتى يمكن إقناع من يريد الاقتناع بخطورة التصويت بالموافقة، وللحقيقة فإن هناك أكثر من محاولة لبيان نقاط الضعف فى هذه المسودة إحداها للدكتور أحمد السيد النجار وهو يركز هنا على نقاط الضعف المتعلقة بالاقتصاد، بينما هناك محاولة أخرى من الدكتور عادل عامر فى توضيح الأخطاء الاستراتيجية والسياسية الدستورية للرئيس مرسى أرجو أن أوضح بعضها. أما رأيى الشخصى فبعضه يتعلق بالعزل السياسى، حيث أرى أن العزل يجب أن يكون مرتبطا بجرائم الفساد السياسى وليس بشغل الشخص لوظيفة أو موقع فى فترة معينة، حيث يجب ألا تكون هناك عقوبة على غير جريمة أو تجريم أفعال بأثر رجعى.

يرى الدكتور النجار أنه يمكن للرئيس -وفقا للمسودة- أن يشل المؤسسة التشريعية بأن يرفض القوانين التى توافق عليها إذا ضمن أكثر من ثلث أصواتها، حيث يتطلب المجلس التشريعى فى تلك الحالة أغلبية الثلثين. كما يرى أن المادة 10 ألغت حرية الاعتقاد، بينما المادة 11 تنص على أن الدولة ترعى الأخلاق والآداب والنظام العام والمستوى الرفيع والقيم الدينية، وهى صيغة فضفاضة وكان المفروض أنها تسن القوانين لتحقيق هذا الهدف، كما تنص المادة 14 على أن الحد الأقصى للأجور للعاملين بالدولة يمكن زيادته بقانون وهو ما يجعل من وجهة نظر الدكتور النجار النص عديم الجدوى، كما يرى الدكتور أن ربط الأجر بالإنتاج غير صحيح، باعتبار أن الإنتاج لا يتوقف على العامل فقط، وأن هناك عوامل كثيرة تؤثر فى الإنتاج خارج سيطرة العامل، ولا يجوز محاسبته على ما لا يمكنه تغييره، أما المادة 15 فيؤخذ عليها أنها لم تضع حدا أقصى للملكية الزراعية مما يعيدنا مرة أخرى إلى احتمال عودة الإقطاع، كذلك يؤخذ عليها أنها لم تمنع ملكية الأجانب للأراضى الزراعية. كما يؤخذ على المسودة أنها لا تنظم الاستفادة من الموارد الطبيعية، كما لا تتضمن إشارة إلى تعدد الشرائح الضرائبية، ويمكن العودة لاجتهادات أخرى ولكن المهم أننا سنذهب إلى الاستفتاء ولا نوافق على الدستور.

■ خبير استراتيجى