رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" في منزل قيثارة القرآن.. الشيخ محمد صديق المنشاوي ابن سوهاج.. قصة "صُدفة" انضمامه للإذاعة المصرية.. كواليس عشق القارئ "العالمي" للفقراء.. وماذا كان يفعل معهم في رمضان

جريدة الدستور

مع حلول شهر رمضان من كل عام، تهب على العالم العربي والإسلامي نفحات إيمانية لها مذاق خاص، ويتردد صوت قيثارة القرآن، وعملاق التلاوات، الشيخ محمد صديق المنشاوي، صاحب الصوت الخاشع في جميع المنازل والمساجد، بعذوبته وإتقانه لفنون التلاوة.

وارتبط اسم الشيخ محمد صديق المنشاوي، ابن سوهاج، بشهر رمضان، منذ اعتماده كمقرئ بالإذاعة المصرية.. ففي شهر رمضان من عام 1953 كانت الإذاعة- وقتها- تجوب أقاليم مصر؛ لإذاعة الحفلات الدينية وتلاوات القرآن بصوت مختلف المقرئين.

وفي إحدى الليالي التي أحياها الشيخ المنشاوي بمدينة إسنا في الأقصر؛ تم تسجيلها للإذاعة، وأُعجب القائمون على البرامج الدينية بالإذاعة بصوت الشيخ، وتم اعتماده في الإذاعة المصرية في العام التالي مباشرة، ليكون شهر رمضان "وش السعد" على الشيخ.

ومنذ هذا الوقت انطلقت شهرة "المنشاوي" الواسعة، وأقبل عليه المسلمون من جميع البلاد، وتنتقل من منازل البسطاء أهالي قرى الصعيد، إلى قصور الملوك والسلاطين والرؤساء في مختلف دول العالم.

وكما تحرص إذاعة القرآن الكريم على بث تلاوة الشيخ المنشاوي في أول أيام رمضان من كل عام؛ تحرص كذلك جميع إذاعات العالم الإسلامي والعربي على بث تلاوات الشيخ الذهبية، بالتبادل مع كبار المقرئين أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ومحمد رفعت، والطبلاوي.

ومع ارتباط الشيخ المنشاوي بشهر رمضان؛ كانت له ذكريات خاصة مع الشهر الكريم، ففيه كان يجوب بلاد العالم بدعوات من كبار الساسة ورجال الأعمال والملوك والرؤساء، لإحياء ليالي الشهر الفضيل بتلاوة القرآن.

وعلى الرغم من كثرة انتقالات الشيخ المنشاوي ابن مدينة المنشاة بمحافظة سوهاج، إلا أنه كان يحرص على قضاء أيام عدة من شهر رمضان مع أبناء أسرته، وكان يقول قولته الشهيرة: "لقد جُبت بلاد العالم، ولكني لا أشعر بطعم شهر رمضان إلا مع أهلي في مصر"، كما أنه كان شديد الحرص على قضاء أيام العيد مع أسرته وأهله مهما كانت ارتباطاته الخارجية.

ـ ومع حلول شهر رمضان هذا العام.. التقينا بأسرة الشيخ المنشاوي في سوهاج؛ لنستعيد معها من جديد ذكراه العطرة، ومظاهر ارتباطه بشهر الصوم.

يقول نجل شقيق الشيخ- المقرئ الشهير الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي، نجل القارئ الشهير أيضًا محمود صديق المنشاوي، ونقيب قراء الصعيد-: "كان عمي- رحمه الله- يتحلى بخلق القرآن، وكان يتأسى بخلق الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهو ظاهرة لن تتكرر ثانية في عالم تلاوة القرآن".

وتابع، بأنه: "إلى جانب حلاوة صوت الشيخ الجليل وتميزه واتقانه لعلوم التلاوة؛ فهو أيضًا المقرئ الوحيد الذي لا يستطيع أحد من المقرئين تقليد صوته وأسلوبه في التلاوة، وحتى من حاول تقليده؛ نجح في ذلك في آية أو آيتين، وباء بعدها بالفشل؛ لأن بصمة الشيخ لن تتكرر.. فهو صاحب مدرسة خاصة في تلاوة القرآن".

وعن عادات الشيخ المنشاوي في شهر رمضان.. قال: "الشيخ المنشاوي كان يحب الفقراء ويرتبط بهم كثيرًا، وكان يحرص على إقامة أكثر من مأدبة لأهله في شهر رمضان، ويدعو لها البسطاء من أهل بلده ويسعد بذلك كثيرًا".

وأوضح الشيخ صديق، أن "الشيخ المنشاوي" كان يقول: "شر المأدبة ما دُعي إليها الأغنياء دون الفقراء".. ولذلك كان الشيخ يمتاز بالكرم وسماحة الخلق، وكان أشد ما يكون الكرم في شهر رمضان، كما أنه كان شديد العطف على الفقراء والمساكين؛ حتى لقبه البعض بـ"حبيب الفقراء"، يحب مجالستهم ولا يأنف من الاستماع لهم.

وأشار نجل شقيق "المنشاوي" أن عَمَّهُ كان شديد الارتباط بأهله في سوهاج على عادة أهل الصعيد، وكان يفرح بدعوة البسطاء له؛ لإحياء الليالي والمناسبات، دون النظر للمقابل المادي، حتى أن صاحب الدعوة كان لا يصدق نفسه عندما كان يعده الشيخ المنشاوي بالحضور لمنزله لتلبية دعوته، ويتم إحياء الليلة بتلاوة القرآن، وعندما يسأله صاحب الدار عن المقابل المادي الذي يريده؛ كان يجيبه: "هذا حسن تقدير منك" وكان قنوعًا شديد التواضع، لم أعرف عنه في يوم حب المال، بل كان كثيرًا ما يجلس أمام منزله بجلبابه الأبيض البسيط، ويستقبل به الزوار والمريدين.

واختتم الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي، حديثه، بقوله: "لقد أحب عمي الشيخ المنشاوي القرآن وأخلص له؛ فأحبه الله وأكرمه بحبه للقرآن، وبارك له في ذريته، وأنجب 11 ولدًا جميعهم من حملة القرآن والشهادات العليا، وأخلاقهم يشهد بها الجميع".