رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة العشوائيات.. الحربُ المنتظرة


عدا مثلث الأزمات المزمنة فى مصر، والمتمثل فى التعليم والصحة والفقر، يبرز ملف العشوائيات «الخطرة» كما سمّاها الرئيس السيسى، واحداً من التحديات الرئيسة التى يبدو أن الدولة ـ وربما الرئيس شخصياً ـ قرّر مواجهتها بشدّة، لأنها فى الحقيقة هى الترجمة الحقيقية لكل النتائج المأساوية لمثلث الرعب سالف الذكر.

خطورة العشوائيات، ليس فى كونها بؤرة تتحدى الأمن والنظام فى المجتمع، وتنشر كل القيم السلبية فى المجتمع المصري، فقط، ولكن فى صعوبة تغيير الثقافة التى ارتبطت بها، وتفرز العديد من الصور النمطية فى سلوك كل المنتمين لهذه المناطق، والتى ينقلونها معهم حتى فى أماكن تجمعاتهم الجديدة، وهذا ما يجب أن ينتبه إليه المسؤولون ويتعاملوا معه بكل شجاعة وحزم.

صحيح أن هناك من يراهن على مجرد تحسين الأمور المعيشية لسكان هذه العشوائيات، كبديل لهذه الفوضى، ولكن بالمقابل، هناك ما هو أخطر، وهو رفض هؤلاء لترك حياة العشوائية، فى استمرار مريب لمشروع كارثى، فى ذهنية هؤلاء، يعتمد الرفض الكامل لحياة أقل ما يميزها الانضباط المدني، والالتزام بسياسة الحقوق والواجبات، لنجد أنفسنا أمام عصابات منظمة تشكل فى حد ذاتها مافيا «وضع يد» قبل أن تورث لنا سلوكيات وتصرفات خارجة على كل قانون طبيعى أو مدنى، ما يجعل هذه المناطق قنابل موقوتة يسهل تحريكها أو استئجارها، للحصول على المال، وتجعل نفسها فى النهاية مع من يدفع أكثر.. وهذه أيضاً مشكلة أخرى، أعترف ـ بخبرتى الأمنية الطويلة ـ أنها تؤرق كل الأجهزة الأمنية فى جميع العصور والأنظمة. سكان المقابر مثلاً، يمثلون حالة انتهاك واضحة لحرمة الموتى، ويشكلون طبقة هامشية، يصعب انتزاعها، ومهما حاولت الدولة أن توفر لهم بدائل معيشية معقولة وآدمية، إلا أنهم يرفضون تصحيح وضعهم، ويتمسك غالبيته بنفس مواقعه، مشكلاً حالة استغراب غير منطقية.. تعكس فلسفة الزحام المقصودة التى لا تستغنى عنها بعض العقول، ولا تطيق العيش بعيداً عنها.

ولو رجعنا بذاكرتنا للوراء قليلاً، عندما انهارت صخرة الدويقة، مثلاً، فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وصدر قرار بنقلهم إلى مساكن لائقة فى أكتوبر، مجهزة بمحلات وأسواق مناسبة، لرأينا كيف أن هؤلاء نقلوا نفس ثقافة العشوائيات للمنطقة الجديدة، وانتقل مشهد الفوضى، بصيغة أخرى، فكان الأمر أن انتقل السلوك العشوائى لمكان آخر أصبح عشوائية إضافية.!

هذا بالضبط، هو موقع الحرب المفترضة، والضرورية للغاية، إذا أردنا إنهاء مشكلة العشوائيات، وأقصد بها الرقابة الجدية، والمواجهة الحديدية التى لا هوادة فيها، من جميع مؤسسات الدولة، وعدم اعتماد الحل الأمنى وحده، ولا ينبغى الوقوع أسرى لأى مخاوف أو تهديدات، خاصة فى مرحلة تحاول فيها الدولة، وتحديداً الرئيس، تثبيت حق الحياة الكريمة لكل مواطن، واعتماده تنفيذ قرابة مليون وحدة سكنية بمختلف المحافظات وبالمناطق الجديدة، وبشروط ميسرة للغاية، لغير القادرين وللشباب.

التحدى المهم لأى دولة، هو فرض هيبة الانضباط والقانون بالتوازى مع المناخ المعيشى الكريم، وأعتقد أن خطة الرئيس للانتهاء من العشوائيات الخطرة، هو بداية عملية لبتر أورام هذه العشوائيات، وعلى رأسها، عدم السماح بنقل ثقافتها الأكثر خطورة للمجتمعات الجديدة، وإلا فإننا سنعود لنفس دائرة المربع الأول. ألا قد بلّغت.. اللهم فاشهد.؟!