رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين المايسترو؟!


الإعلامى الكبير أمين بسيونى الذى رحل عن دنيانا الأسبوع الماضى حكى لى أنه حينما كان رئيسًا لإذاعة «صوت العرب» عام 1987 اتصل به صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك، وقال له إن الرئيس مبارك يطلب منه كتابة تعليق يهاجم فيه دولة الكويت، ثم يقرأه بنفسه وبصوته الجهورى الشديد فى إذاعة صوت العرب، فسأله الأستاذ أمين عن السبب، فأجابه صفوت الشريف بأن هناك صحيفة كويتية هاجمت الرئيس مبارك بسبب سليمان خاطر ذلك الجندى المصرى الذى قتل ستة من اليهود على الحدود المصرية الإسرائيلية، ووصفت الصحيفة خاطر بأنه أشجع من مبارك، فكانت نصيحة الأستاذ أمين تجاهل الموضوع تمامًا؛ لأن إثارته فى إذاعة «صوت العرب» سوف يعلم به الملايين..

غضب الشريف من رفض بسيونى لتنفيذ تعليمات الرئيس، فقال له بسيونى هذا رأيى وأنا جاهز لتنفيذ التعليمات، فطلب منه الشريف عدم مغادرة مكتبه لحين العودة للرئيس، وبعد عشر دقائق اتصل صفوت الشريف بالراحل أمين بسيوني، وقال له الرئيس مبارك «بيقولك برافو عليك يا أمين».

وهكذا الحاكم حينما يجد من العقلاء من ينصحه لوجه الله والوطن فإنه يستمع ويقتنع، وكانت نصيحة الراحل أمين بسيونى أن الجريدة الكويتية الصغيرة التى هاجمت رئيس مصر الكبيرة لم يقرأها سوى بضع مئات من الكويتيين ولكن إثارة الموضوع فى إذاعة صوت العرب سوف يعلم به ملايين المستمعين فى كل أرجاء الوطن العربي، وبالتالى مصر ورئيسها هى الخاسرة، لأن من هاجمنى فى حارة مظلمة لا أرد عليه فى ميدان عام فيعلم الجميع..

حينما أتذكر هذه الواقعة أقول إننا فى حاجة إلى عقلية الأستاذ الراحل أمين بسيونى فى كل مجالات حياتنا هذه الأيام، ذلك الرجل الكبير العاقل الذى يستطيع بآرائه السديدة الحكيمة منع وقوع كوارث وأزمات كثيرة فى المجتمع، تكاد تعصف به أو على الأقل تفتت عضضه، وتصب فى مصلحة أعدائه فى الداخل والخارج، وليس من المنطقى أن يكون مطلوباً من رئيس الجمهورية حل كل المشكلات حتى أبسطها، والتى وصلت إلى مطالب المواطنين الفقراء فى العلاج أو بطاقة تموين، وأن يكون مطلوباً من الرئيس التدخل لإنهاء كل الأزمات ما بين فئات المجتمع المختلفة.. لابد أن يكون فى كل قطاع رجل كبير وحكيم يوجه لمصلحة البلد، فقد قرأت تصريحاً غريباً لوكيل لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس النواب، يقول فيه للسودان الشقيق «أعلى ما فى خيلكم اركبوه» هو تصريح غير مسئول لصحفى لا يفرق بين السبق الصحفى والأمن القومى قد يتسبب فى أزمة بين البلدين الشقيقين، وفى الأزمة الحالية بين وزارة الداخلية مع نقابة الصحفيين السؤال هنا ما المكاسب والخسائر التى عادت على مصر من هذه الأزمة؟

الإجابة هى أن الكل خسران، ولو أن كل مسئول قبل إصدار أى قرار أو تصريح فكر فى مصلحة مصر، أو استشار أحد العقلاء أقول مؤكداً أحد العقلاء المخلصين، لكنا تجنبنا أزمات كثيرة، ولكن للأسف الشديد الاعتقاد السائد لدى الغالبية العظمى من الشعب أن الأمور تسير دون تخطيط أو رؤية ولكن بشكل عشوائى تارة، وتارة أخرى بتفكير الهواة، أو برؤية المنافقين أصحاب نظرية كله تمام، الذين يزينون الباطل للمسئول ويشجعونه عليه ولا يناقشونه فى رأيه حتى لو كان مخطئاً، مصر فى حاجة إلى الرجل الكبير المايسترو فى كل قطاع ، حتى يضبط الأمور ويمنع وقوع الكوارث قبل حدوثها.. فالوقاية ليست فقط أفضل من العلاج بل أرخص منه، اللهم احفظ مصر من أعداء الداخل والخارج والجهلاء ومستشارى السوء.