رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطايا محافظ البنك المركزي.. انغماس "عامر" في معارك جانبية تسببت فى تفاقم أزمة الدولار والسوق غير الشرعي

عامر
عامر

يرى الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى، أن محافظ البنك المركزي الحالي، طارق عامر، لديه جميع المقومات، التى تؤهله أن يحقق الكثير من طموحات الشعب والحكومة معًا.

وقال إنه بالرغم من تلك المقومات؛ مازال الرجل يخوض الكثير من المعارك فى آن واحد منذ أن تولى المنصب ويفتح كل الجبهات بعيدا عن حس سياسي مطلوب لصاحب هذا المنصب طالما أنه يشتبك مباشرة مع الرأى العام.

وأضاف أنه لو أراد عامر أن يظل منصبا فنيا صرفا فعليه أن يستعين بأصحاب الخبرات السياسية والاقتصادية التي تختلف عن الخبرات المصرفية.

القتال على جبهات متعددة
وأشار إلى أن عامر يخوض معركة مستعرة ضد السوق السوداء للدولار الأمريكى، انتقل منها إلى معركة ضد شركات الصرافة غير الملتزمة، ثم أعلن تقييد مدد شغل منصب رئاسة البنوك بتسع سنوات، ثم أصدر ما يفيد التراجع عن هذا القرار، ثم أصدر تصريحات متلفزة ضد فئات بعينها اتهمها بالعمل لمصالحها أو لحب الظهور.

وأكد نافع أن السوق السوداء للعملة الصعبة ليست كائنا خرافيا أو تجسيدا لقوى الشر والطمع المدمرة للاقتصاد بل مجرد نبت"كريه" غرس فى أرض فائض الطلب وندرة المعروض؛ أي الحاجة المستمرة للدولار.

وأردف أن الحاجة المستمرة للدولار تأتى بسبب تراجع الإنتاج من السلع والخدمات، وهو يعني تراجع القدرة على إشباع حاجة السوق المحلية، وذلك بالتزامن مع حالة من العجز الكبير بين الواردات والصادرات.

علاج المرض قبل العرض
وأوضح أن البنوك لا تستطيع أن توفر الدولار بالسعر الرسمى لأن أحدا لا يريد أن يودع أمواله بالبنك أو بشركات الصرافة وفقا لهذه الاسعار –الرسمية- والتي لا تعكس قوى العرض والطلب، وعليه تنشأ السوق السوداء لتوفير احتياجات المستوردين وغيرهم من متعاملين بالدولار، ومن ثم فالقضاء على السوق السوداء تكمن فى القضاء على أسباب وجود تلك السوق لا بإشعال حرب معها.

وأكد أن تلك الاسباب كانت أولى خطايا محافظ البنك المركزى السابق، والتى أنجر فيها إلى معارك غير متكافئة نتيجة لعدم توافر معلومات كافية عن تلك السوق بينما جميع أوراق البنك المركزى مكشوفة وحجم الاحتياطى الأجنبى مفصح عنه والمعلومات هى أهم أسلحة الحرب الاقتصادية.

وأضاف أن المحافظ السابق تورط فى إصدار قرارات تقييدية لحركة العملة أضرت بالسوق أكثر مما نفعته، وكان إلغاؤها واحدا من أفضل القرارات التى اتخذها طارق عامر.

نتائج عكسية
وأوضح أن بتلاحق هذه الأحداث نشأت فكرة متداولة مفادها أن شركات الصرافة هى التى تحض على نشاط السوق السوداء، وتمتنع عن التعامل بالسعر الرسمى مضافا إليه هامشا معقولاً، وعلى الرغم من كون المكاتب الخلفية لبعض شركات الصرافة لاعبا رئيسيا فى السوق السوداء بالفعل؛ فإن التلويح بغلق مكاتب الصرافة لن يحل الأزمة بل ربما ساهم فى إشعالها نتيجة اختفاء سوق تقع فى منتصف الطريق بين السعر الرسمى وسعر السوق السوداء، بما يعنيه ذلك من تضييق الفجوة بين السعرين ولو بحجم تعاملات قليل.

وأكد ان اختفاء السوق الوسيط يعنى تحول حصته بصورة آلية إلى السوق السوداء، لأن السعر الرسمى جامد لا يتحرك إلا فى صورة موجات قد تأتى على فترات متباعدة مثلما كانت الموجة الأخيرة لتحريك سعر الصرف تالية لموجة تحريكه عام 2003.

الاستنزاف في معارك جانبية
وأشار إلى أن المعركة الثالثة بدأت حينما أصدر البنك المركزى قرارا بألا تزيد مدة عمل الرؤساء التنفيذيين للبنوك فى مصر عن تسع سنوات سواء متصلة أو منفصلة، وعلى الرغم من الضجة التى أثيرت حول القرار إلا أنه يظل صحيحا على الأقل من جهة المقصد، فليس مقبولاً أن يحتكر الجهاز المصرفي عدد محدود من القيادات خاصة فى ظل ما اعترف به محافظ البنك المركزى من تراجع نسب الإقراض إلى الودائع بكثير من البنوك وصل أحيانا إلى 15% وتكاسل البنوك عن الاضطلاع بدورها الأصيل كوسيط بين الوحدات، التى لديها فائض وتلك التى لديها عجز نظرا لتفرغها لإقراض الحكومة بأسعار فائدة مغرية وبدون مخاطر تذكر.

تابع أن توقيت اتخاذ القرار ربما لم يكن الأفضل، إذ يفتح جبهة جديدة على المحافظ فى وقت التمس جميع الجهود المصرفية للسيطرة على انفلات الأسعار والدولرة، وكذلك قدرة القيادات المصرفية ستكون عالية للتحايل على القرار، إذ أعتقد أنهم سيتبادلون المقاعد فيما بينهم.

وأستطرد أنه من الأفضل أن تطبق قواعد الحوكمة بفصل رئاسة البنك عن إدارته التنفيذية، وهو الفصل القائم بين منصبى الرئيس والعضو المنتدب فى القواعد العالمية لحوكمة المؤسسات، مع زيادة عدد الأعضاء المستقلين وغير التنفيذيين فى مجالس إدارات البنوك.

وقال إن كثرة المعارك العنيفة التى يخوضها المحافظ جعلته يرتاب من وسائل الإعلام، ونوايا الخبراء الناقدين لبعض قراراته، وأهداف المستثمر الأجنبى، ومهارة المستوردين فى جمع الدولار، وحرص العاملين فى الخارج على تحويل أموالهم إلى أسرهم فى مصر.

روشتة إعلامية للمحافظ
واضاف أن بعض ما أحصي من احتقان ملحوظ تجاه عدد من الفئات خلال حديثه التلفزيونى الأخير ينقلنا إلى الملاحظة الثانية؛ وهى ان محافظ البنك المركزى يجب أن يُحصَى كَلِمه وأن يكتفى باستعراض أهداف وسياسات وقرارات السياسة النقدية عبر بيانات «مكتوبة» صادرة عن لجنة السياسة النقدية أو مجلس إدارة البنك أو حتى عن المحافظ ذاته.

وأردف أن كتابة البيان ومراجعته بواسطة عدد من المعاونين المختصين يحول دون تحميل تصريحات المحافظ بأكثر مما تحتمل، ويعفيه ويعفى البنك المركزى من الحرج ومن مخاطر تأويل العبارات والإشارات التى تعرض الأسواق لهزات عنيفة، خاصة إذا اختلف الفعل عن القول وهو ما حدث بعد لقاء المحافظ مع الإعلامى إبراهيم عيسى ونفيه القاطع للتعويم قبل صعود الاحتياطى الأجنبى إلى رقم معين ثم اتخاذ قرار يخالف ذلك بعدها بأيا.

وتابع: "ربما رأى عامر أن ذلك من قبيل المناورة لكن مخالفة القول والعمل بعكس ما قيل له عواقب سلبية، إذ ما يدرينى أنك فى سائر بياناتك وتصريحاتك لا تناور بهذا الأسلوب؟ الصمت كان أفضل، وفى هذه النصيحة تنزيه لصاحب المقال من تهمة التصيد بهدف الشهرة التى رمى بها المحافظ الخبراء، إذ لو أردت تصيد أخطائه لناشدته كثرة الكلام، فمن كثر لغطه كثر غلطه".

وقال إن الإفراط فى الظهور الإعلامي يؤدي إلى فقدان المحافظ خصية هامة فى صاحب هذا المنصب وهى شىء من الغموض الذى يلقى فى قلوب المتلاعبين بالأسواق الرعب من اتخاذ المحافظ لتدابير لا قبل لهم بها، أما أحاديث الساعات المتلفزة حتى وإن تخللها عبارة «لن أفصح عن هذا الشىء أو ذاك» تظل كاشفة لأدق تفاصيل شخصية المتحدث.

وأضاف أن كثرة المعارك وكثرة الظهور الإعلامى يعرضان صاحبهما للتصنيف ويضعانه فى جبهات لا تليق بمنصب محافظ البنك المركزى الذى يفترض فيه الحياد التام، لذا تقبل البعض مقالاً لأحد كبار رجال الأعمال يعاتب فيه المحافظ على تصفية الحسابات وسوء استغلال النفوذ وهو أمر لا أعتقد فى صحته، لكننى لا أملك دفعه بسهولة فى ظل ما سبق شرحه من ملابسات.