رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافتك .. خطيئتك


طبيعى ألا يجيد محمد مرسى التواصل الحكيم مع سائر قوى الشعب..لازلت أتصور أنه رجل طيب، حسن النية، وإن كان بالضرورة يحمل بعض لؤم وتوجس إخواننا الفلاحين.

ولكن هذا اللؤم وذاك التوجس ليسا الخطيئة الأولى والأساسية للسيد رئيس الجمهورية، مشكلة محمد مرسى الأساسية هى انتماؤه العميق لجماعة الإخوان واقتناعه التام بثقافة السمع والطاعة التى تقوم عليها الجماعة المذكورة، فضلا عن كارثة أخرى هى قناعته الكاملة بالمشروع السياسى الإسلامى رغم الفشل الذريع والفاشية المطلقة لهذا المشروع منذ عهد ثالث الخلفاء الراشدين وحتى انهيار الدولتين الأموية والعباسية.

ثم الخلافة العثمانية التعسفية. الجماعات الدينية لا تقرأ التاريخ ولا تفهمه ولا تحاول مناقشة أحداثه على أسس علمية ومنطقية، وبالتالى يكررون أخطاءهم وخطاياهم جيلا بعد جيل، الدكتور محمد مرسى قد يكون إنسانا فاضلا وعلى درجة عالية من الإخلاص، ولكن هذا الإخلاص يستحيل أن يكون لمصر «على بعضها»، يستحيل إقناع محمد مرسى أن النظام الاشتراكى - مثلا - يجب تطبيق بعض قواعده فى الوقت الراهن حتى نتمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية، لن يقبل مرسى هذا الكلام لأن ثقافته وثقافة جماعته لا تؤمن بذلك، وتفضل الصدقات وبيت المال على مشروعات التنمية البشرية العلمية.

أيضا تفضل الاستعانة بالمسلم نصف الموهوب على تقديم العلمانى أو المسيحى أو الشيوعى العبقرى فى مجال من مجالات الحكم أو الإدارة، هذا الكلام ليس وجهة نظرى، ولكن التاريخ يقول إن عمرو بن العاص حين فتح مصر رفض الاستعانة بأهل البلاد - حتى من أسلم منهم - فى مجالات الجيش والسياسة والإدارة، وقام خلفاؤه بعد ذلك باستيراد المماليك واستخدامهم فى هذه المجالات الثلاثة بدلا من المصريين أصحاب البلاد!

هذا الفكر الغريب ما زال يسيطر حتى الآن على عقول وثقافة تيار الإسلام السياسى، وهو بالتأكيد يمثل الخلفية الثقافية للسيد الرئيس الحالى، وهو بالتأكيد أيضا يدفعه لعدم الثقة فى كل التيارات السياسية المصرية خارج المشروع الإخوانى أو الإسلامى، وهذا يدفعه دائما للاستغناء عن رضا جموع الشعب المصرى والاستقواء بأعضاء جماعته والانحياز لمطالبهم وأفكارهم وتوجهاتهم ولو على المستوى الاستراتيجى فقط فى هذه المرحلة. الثقافة السياسية للرئيس محمد مرسى هى المسئولة عن توجسه من التيارات المدنية ومن القضاء والجيش والشرطة وسائر مؤسسات الدولة التى صار رئيسا لها، وهذه الثقافة هى التى منحته مساحة كبيرة من التوجس ودفعته للانصراف عن تحقيق مطالب الشعب والتفرغ لتوطيد سلطته على حساب الديمقراطية صاحبة الفضل فى التمكين له وجماعته فى حكم البلاد.

قد يصرح مرسى فى مناسبات عديدة بأنه يحترم الديمقراطية ولكن هذا الكلام لا ينبع من قناعات حقيقية قدر ما يمثل أداء براجماتيا يناسب المرحلة ويتسق مع النسبة المحدودة للغاية التى تفوق بها مرسى على منافسيه. لولا انتماء محمد مرسى لجماعة الإخوان وقناعته الحتمية بالفكر الدينى الفاشى لكان معظم الناس قد تقبلوا قراراته الأخيرة بوصفها محاولة مخلصة ومؤقتة للسيطرة على مقاليد الأمور إلى أن تتحرك البلاد نحو الاستقرار والحياة الدستورية كاملة الأركان، ولو كان هذا فقط هو الهدف من تلك القرارات ليكن بوسع الرئيس عرض هذه القرارات قبل صدورها على ممثلى كل التيارات الأخرى ومحاولة إقناعهم حتى تصدر بالتوافق بين الجميع أو الأغلبية وبالتالى لا يقابلها الناس بكل هذا الغضب والرفض والتوجس.

لو شاء الرئيس الاستمرار والنجاح فى مهمته، فعليه أن يتخلص أولا من انتمائه الفئوى والفكرى الضيق وأن يتخلص من العزة بالإثم، وأن يؤمن تماما وبمنتهى الصدق والإخلاص أن هذا البلد يضم عشرات الملايين من البشر غير المنتمين لقطاع الإسلام السياسى، وأن هؤلاء البشر لهم من الحقوق مثلما للسيد المرشد العام للإخوان والسيد زعيم الدعوة السلفية والسيد القائد الأعلى للجماعات الجهادية والسيد رئيس الجمهورية