رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوار الطرشان.. فى قضية جزر خليج العقبة


دار فى مصر ويدور نقاش حاد الطبع ارتفعت حدة نغمته حتى وصلت إلى حد التخوين ووصف الأزمة بأنها كارثة، وأن معالجة القضية حكومياً كانت خطأ كبيراً، كما تحدث فيها القانونيون، والعسكريون والدبلوماسيون، بينما انتهز البعض الفرصة ليدعو إلى التظاهر على أمل أن يحقق فى هذه الأزمة ما عجز عن تحقيقه خلال أكثر من عام. ولا شك أن الأزمة يمكن أن تحقق فوائد، لكن هذا يتطلب أساساً أن يكون هناك من يبحث عن فائدة حقيقية لا أن يحقق فائدة شخصية له أو لجماعته على حساب المصلحة العامة، ومن الظواهر التى كشفت عنها الأزمة أن البعض اعتمد على تصريحات من يكرهه ويكذبه فى ظروف أخرى لكى يثبت ما يقوله.

القضية تتعلق بمعاهدة وقعت بين مصر والمملكة العربية السعودية وهى تحدد الحدود البحرية بين مصر، والمملكة ولكن الأزمة تتعلق بجزء من هذه الحدود، وهى الجزء المتعلق بجزيرتى «تيران وصنافير» والوضع القانونى لهما، وهنا فإن الفيصل هو الوضع القانونى، ولا يجوز أن يكون هناك معيار آخر لمدى صحة الإجراء، وهو يبدأ بتحديد نص الاتفاق من جهة، ثم مدى وضعه القانونى بعد التوقيع، فنص الاتفاق يجب أن بحدد مرجعه فى ذلك، وهل هو ينشئ وضعاً جديداً أم أنه يؤكد وضعاً سابقاً؟ أما الوضع القانونى بعد الاتفاق فهو يجعل المعاهدة أو الاتفاق سارياً عند تصديق السلطات التشريعية للبلدين عليه شأنه فى ذلك شأن أى اتفاق تعقده الدولة مع جهة أجنبية، وذلك وفقاً للدستور من جهة وللأعراف الدولية والقانون الدولى من جهة أخرى.

الاتفاق لا ينشئ وضعاً جديداً بالنسبة للجزيرتين باعتبار أن مصر قد أبدت اعترافها بتبعية الجزيرتين للمملكة فى وضع سابق، وقد مرت العلاقات بين الدولتين بأزمات سابقة ولم تغير من اعتراف مصر هذا، وبالتالى فإن الحكومة الحالية لا تعترف بما لم نعترف به سابقاً، أما التصديق على المعاهدة فهو من شأن مجلس النواب الذى ستعرض عليه المعاهدة للتصديق عليها. الجدل يجرى حول الاعتراف السابق فهناك من يشكك فيه وربما كانت المستندات التى عرضتها الدولة غير كافية للبعض، لكن لهجة الكثيرين أظهرت شوفينية شديدة تريد أن تحتفظ بالشىء وبغض النظر عن حجية الأسباب الأخرى.

هنا لا بد من مناقشة ما يقال عن معاهدة 1906 والتى توضح فى رأى البعض أن الجزيرتين تابعتان لمصر علماً بأن المعاهدة المذكورة عقدت فى وقت لم تكن فيه مصر مستقلة ولا السعودية قائمة، وبذا فإن الحدود بين البلدين بما فيها الجزيرتان حدد بعد ذلك، واعتمدت على حدود إمارة الحجاز السابقة واعترفت مصر بوضوح بتبعيتها للسعودية فى علاقتها بالسعودية عام 1950 من أجل حمايتها. وفى معاهدة 1906 ما لم يعد قائماً ومنها تبعية إيلات التى قبلت مصر نتيجة التحكيم فيها والتى تخرج إيلات من التبعية المصرية منذ الانتداب البريطانى على فلسطين فى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918. ولا يجوز الدفع بمعاهدات وأوضاع سابقة وفقاً لنظرية الحقوق التاريخية وإلا فإن العام كله يقع فى فخ النزاعات الحدودية.

وهناك من يدفع بأننا حاربنا من أجل الجزيرتين وأننا يجب أن نحترم دم الشهداء، والحقيقة الأولى أن كوننا حاربنا على أرض لا يعطينا حقاً فى امتلاكها، ويكفى أن نقول إن قواتنا حاربت فى اليمن وفى السودان وفى الكويت فى عهد قريب فهل أصبح لنا الحق فى امتلاكها؟ وسبق أن حارب جنودنا فى شبه جزيرة القرم التابعة لروسيا الآن، كما حاربت قواتنا فى شبه جزيرة المورة فى البلقان فهل لنا حق فيها؟! أما الحقيقة الثانية فهى أن قواتنا لم تحارب من أجل الجزيرتين، وإنما حاربت العدوان الذى استولى على الجزيرتين لما استولى على شبه جزيرة سيناء، وأن قواتنا فى 1967 كانت فى شرم الشيخ ولم يكن لها وجود على الجزر وانسحبت قواتنا من شرم الشيخ تنفيذاً للأوامر قبل أن تصلها قوات العدو. وأهمية شرم الشيخ أكبر بكثير من أهمية الجزيرتين، وأن كل هذا لم يعد له نفس الأهمية الاستراتيجية بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، حيث اعترفت مصر بأن مضايق خليج العقبة ممرات دولية وبالتالى لم يعد من حقنا منع المرور البريء وهذا ينطبق على الجزيرتين سواء فى السيادة المصرية أو السعودية.

أخيراً من الطرائف أن الإخوان يستشهدون بملكية مصر للجزيرتين بخطاب جمال عبدالناصر وهم يكرهونه كراهية التحريم، وربما كان من المفيد اهتمام الرأى العام بالقضايا العامة، ولكنه حوار الطرشان الذى انتشر فى مصر حول الجزيرتين.