رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المنابر.. ودورها فى النفاق السياسى


نراهم متسائلين: من أجل ماذا تتصارعون لأجل الوطن؟ انظروا تحت أقدامكم قد داست عليه سنابك خيولكم، فالوطن مجرد شعار وغاية مفرغة من محتواها يعلقون عليها وزرهم السياسى ويدلسون علينا فما غايتهم إلا السلطة وما وسيلتهم إلا الفتنة فلعنة الله على من أيقظها.

التربية التى أخذت تنهش جسد الطبقة السياسية والثقافية الموالية للسلطة، بل المنبطحة تحت أقدام السلطة، ولدت فئات لا حول لها ولا قوة فى الواقع، ولكنها شديدة التنافخ فى الظاهر بأن لها وزنًا وهى فاقدة لهذا الوزن، لأنها حتى فى المواقع السياسية والأكاديمية التى تحتلها غير قادرة على أداء دورها الفعلى، وهى تحاول جاهدة أن تكذب على الناس بالأعمال البهلوانية وتدبيج المقالات التبريرية، لتقول أنا موجود وهى فى واقع الأمر فاقدة لمعايير الشخصية العملية والفعلية، عند أداء الدور المناط بها فى محيط وظيفتها، وعلى وجه التحديد فى عملية صناعة القرار مما يشاهده الناس من ممارسات غير منطقية للكثير من أعضاء هذه الفئات المسئولة وظيفيًا، أيضا كان موقع المسئولية أو حجمه أو نوعه.

الجمهور وهو المغلوب على أمره وبحكم غياب دولة المؤسسات والقانون التى تنصف الناس وتقوم بتوزيع الخدمات بفعالية وعدالة، يدفعه هذا الوضع إلى أن يلتطم بهذا أو ذاك من المسئولين لتسيير أموره الخدماتية والحياتية، ولأن هؤلاء المسئولين قد تشبعوا بثقافة الجبن والكذب، فإن المواطن المغلوب على أمره يدفع ثمن هذه الثقافة، ويأتى من يدين ثقافة الواسطة، وهى التى تعنى أنها مؤشر على تدنى المستوى السياسى والأخلاقى للنظام من طرفيه، المسئول الذى يقوم بها والمواطن المدفوع إليها، إلا أن المواطن يتحمل مسئولية استمرار ثقافة الجبن والكذب لدى الطبقة السياسية والثقافية، لأن من واجبه كشف ممارساتها اللاأخلاقية هذه، ومواجهة هذه الفئات بأدوارها الخيانية فى حقه وحق الوطن، لأن النفاق السياسى يصيب الوطن والمواطن بالسوء، لابد من محاربة ثقافة الكذب والجبن، ثقافة النفاق السياسى والثقافى.

لأنها ثقافة تدميرية تمس المجتمع في الصميم إذ تأتى من فئات يفترض فيها أن تكون إلى جانب المجتمع لا عالة عليه وعبء يتحمله وهو الذى دفع بها للوصول إلى ما وصلت إليه، من خلال تمويل طرق ووسائل وصولها إلى المواقع التى تحتلها، وإذا كان هناك من تبرير لأى نظام سياسى فى سعيه لحشد المناصرين والمؤيدين وحتى الهتيفة، فليس من حق السياسى أو الثقافى أن يتبع الثقافة الميكافيلية التى أوردها فى كتابه الأمير، لأنها ثقافة لا تصلح لبناء الأمم وتقدم الشعوب.

نحن نطمح بثقافة الصدق والالتزام بالأخلاق والمبادئ لا بثقافة المصالح الفردية والأنانية على حساب مصلحة الجمهور فإذا كان الإنسان ابن بيئته فيجب أن يكون تعبيرًا عن مصالح الناس فى البيئة والمحيط الذى يعيش فيه، فالثقافة الجمعية لا الفردية هى التى تنهض بالمجتمع والنظم السياسية إذا لم تجد من يروج لها السياسات الخاطئة والاستقصائية ستفشل فى هذه البرامج والسياسات التدميرية، لأننا نحن أدوات هذه السياسات ومنفذو هذه المخططات، أن هناك طلاقًا ما بين أقوال وأفعال الطبقة السياسية والثقافية المنافقة، والناس لم تعد تثق بكل الجمل الرنانة ولا بالعبارات العسلية، لأنها ترى بأم العين ما يجرى على أرض الواقع من نفاق وكذب وادعاء بالتنافخ، ومقالات مدبجة فى الصحف والمجالات فترى أن كثيرًا من هذه الألسنة الطويلة من أصحاب هذه المقالات، أن قاماتهم فى صناعة القرار لا تتجاوز طول ألسنتهم، فهل هذا عائد إلى النظام السياسي؟، أم أن هناك خللاً فى البنية الثقافية والتربوية للطبقة السياسية والثقافية، أم أن الجمهور هو الذى أعطى لممارسات هذه الفئه الحياة لتستمر فى السير تحت أقدامنا ومن فوق جباهنا، نحن من يصنع الحياة على الأرض، ولابد أن نكون فى مستوى صناعة هذه الحياة، التى تتطلب جهدًا وعناء أكثر من اللهث وراء المواقع والمغانم على حساب معاناة الناس وشقائهم، وعلى حساب الأوطان وسبل تقدمها.

إن الدعاء على النفس الذى خلقها خالقها سبحانه جهل لأن المولى جل وعلا هو من خلقها وهو وحده من يقدر لها هدايتها أو غوايتها أما عن سبب دعاء النبى الكريم صلى الله عليه وسلم على بعض الكفار فإنهم كانوا يحاربونه ويحاولون عدم السماح له بإتمام دعوته وبعدما أتمها وخرج من إتمامها بحجة الوداع دعا للناس جميعًا بالصلاح والهداية وما ألف بعده من دعاء ليس إلا من أرباب أنفس مريضة بالأحقاد وخزعبلات البدع الكاذبة الكائدة إن الدعاء على غير المسلمين وقت الكوارث أو فى غيرها ما لم يؤذوا المسلمين، مخالف لتعاليم الإسلام السمحة والعقيدة النقية أنه يصدر من جانب من يمارسونه عن جهل شرعى أنه ليس من خلق المسلمين الدعاء على من لم يؤذوهم من غير المسلمين، «المسلمون مشروع لهم الدعاء على غير المسلمين الذين يؤذونهم، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة» إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا على كفرة أهل الكتاب الذين حادوا عن منهج الله ورسوله، مبينًا أن هذا هو الدعاء المشروع، وأن كتاب الله تعالى وسنة نبيه ورد فيهما العديد من الشواهد للدعاء على غير المسلمين.

لعنة الله على السياسة تلك التى تدار دون خطوط حمراء ولا حتى بيضاء كتلك التى فى ملاعب كرة القدم.. إنها السياسة تلك التى تحكم التحالفات وتثير التخاصمات وتحدد أهداف التراشقات وأعداء الأمس أصدقاء اليوم، إنها السياسة التى جعلت الساسة مجرد أقنعة تنكرية بوجوه متعددة تراهم على المنابر يتهكمون وفى أحاديثهم يتغنون أن الوطن هو غايتهم وإصلاح الوضع هو رايتهم فى كلام يكثر فيه السجع ويقل فيه النفع يضعون لأنفسهم خطوطًا حمراء ثم ما يفتأون أن يمسحوها بأرجلهم فهناك مبدأ فى السياسة يقول الغاية تبرر الوسيلة حتى ضاعت الغاية فى ظلمات الوسيلة.

■ أستاذ القانون الدولى