رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التموين.. والبيانات الخادعة


إن وزارة التموين مسئولة عن السلع التموينية جميعها وليس سلع البطاقات فقط والرقابة عليها أيضا وتوافرها بأسعار فى متناول العامة من الشعب حرصا على الاستقرار المجتمعى الذى من أهم دعائمه توافر الغذاء بأسعار مقبولة وعدم ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء بطريقة مستفزة. لا زلنا بعيدا عن التعامل بشفافية.

تستهلك مصر نحو 15 مليون طن من القمح سنويا بمعدل استهلاك 175 كجم للفرد فى مختلف احتياجاته من الرغيف والمكرونة والمخبوزات الأفرنجية والحلويات والدقيق المنزلى، من إجمالى هذه الكمية يستحوذ الرغيف المدعم على ما بين 8 و 9 ملايين طن بكميات طحن للقمح شهريا تتراوح بين 650 و 750 ألف طن والذى يستفيد منه ما تقدره الدولة بنحو 65 مليون مصرى من إجمالى 85 مليون مصرى يعيشون داخل مصر. تكتسب المكرونة أهميتها بأنها البديل الأول للخبز والذى يخفف كثيرا ضغط الفقراء على الرغيف البلدى بمعنى أن الأم عندما تقدم لابنها صحنا من المكرونة لا تقدم له معه الخبز ولكن عند ارتفاع أسعارها تجد نفسها مضطرة إلى تقديم بديل من الفول أو البطاطس أو الفلافل وغيرها وجميعها لا بد من تقديم الخبز معها بما يمثل ضغطا على الخبز المدعم الذى تدعمه الدولة بمبلغ يتراوح بين 14 و 18 مليار جنيه سنويا طبقا لأسعاره فى البورصات العالمية. البديل الثانى للخبز المدعم والخبز بصفة عامة هو الأرز الذى تجاوزت أسعاره الجنيهات الخمسة للكجم بعد قرار تسعيره بألفى جنيه للأرز الشعير والذى يصفى 65% فقط من الأرز الأبيض خلاف تكاليف الضرب والتبييض والنقل وأرباح التجار، وفى المقابل أصبحت أسعار المكرونة التى تُصنع من القمح والذى تتربع مصر على قمة الدول المستوردة بإجمالى 11 مليون طن سنويا، فى حدود الأربعة جنيهات وبالتالى أصبحت هى البديل الأول للرغيف المدعم أى أن القمح بديل للقمح. من البديهى أن وزارات التموين مسئولة عن توفير جميع احتياجات الشعب المصرى والرقابة عليها ووصول الدعم إلى الفقراء وبالتالى يخطئ المسئولون عنها عندما يظنون أنها مسئولة فقط عن الرغيف المدعم والسلع التى تصرف على البطاقات التموينية فقط، وللتدليل على ذلك ففى عام 2004 وبعد قرار رفع سعر صرف الدولار وارتفاعه إلى ستة جنيهات بدلا من ثلاثة جنيهات توقف القطاع الخاص عن استيراد القمح الخاص بتصنيع المكرونة والفينو والرغيف الحر بسبب مضاعفة أسعار الدولار وعدم قدرته على توفيرها وبالتالى ارتفاع أسعار استيراد القمح إلى الضعف بما أدى إلى تعالى صرخات المواطن المصرى والأمهات بعدم قدرتهم على توفير فينو المدارس لأبنائهم الطلاب وحدث تضاعف لأعداد طوابير الرغيف المدعم الذى أصبح الوحيد المتاح فى الأسواق للطعام والسندويتشات وتوالت أحداث العنف والزحام مما اضطر الدولة للتدخل السريع بإمدادها للأفران الأفرنجية بالدقيق الحكومى لتوفير فينو المدارس بسعر عشرة قروش، وأضافت المكرونة إلى بطاقات التموين لتعويض غيابها وارتفاع أسعارها كما دفعها الأمر إلى إضافة سبع سلع أخرى على البطاقات التموينية استرضاء للجماهير وعدم تصعيد أحداث العنف والتى عادة ما تحدث فى الدول النامية إما بسبب عدم توافر السلع الغذائية أو ارتفاع أسعارها أو بسبب ارتفاع أسعار المحروقات بشكل مفاجئ يفوق استيعاب دخول المواطنين له.! هذا المثال يوضح أن الحكومة وعلى رأسها وزارة التموين هى المسئولة عن توفير جميع أنواع الأغذية والحبوب والخضراوات اليومية وبشكل كاف لجميع أفراد الشعب المصرى بلا استثناء سواء كانوا أغنياء أو فقراء لأن الجميع فى النهاية مصريون وللجميع الحق فى الطعام. إسناد استيراد وتجارة الغذاء إلى القطاع الخاص تخفيفا عن أعباء الدولة لا يعنى عدم متابعة الدولة بدقة لحركة دخول الواردات الغذائية ومدى ورود الخضراوات يوميا وبدقة إلى أسواق المدن وبالتالى تكون فى أهبة الاستعداد لتعويض أى تقصير من القطاع الخاص أو تقوم باستيراد بعض الخضراوات كما حدث فى استيراد كميات كبيرة من الطماطم بعد ثورة يناير وارتفاع أسعارها إلى خمسة عشر جنيها للكجم مع توفيرها فى المجمعات التعاونية بأسعار تتناسب مع دخول العامة من المواطنين.

وزارة التموين فى فترتها الأخيرة نسيت تماما أنها مسئولة عن توفير غذاء الشعب المصرى بأكمله ودأبت على إصدار البيانات الخادعة بشأن مخزون القمح فى مصر لكامل الشعب المصرى وليس فقط لتوفير الرغيف المدعم حيث دائما ما تعلن توافر مخزون من القمح يكفى لستة أشهر قادمة قاصدة من ذلك ستة أشهر للرغيف المدعم فقط وليس لكامل احتياجات الشعب المصرى من الرغيف الحر والفينو والمكرونة والدقيق كما فى حالات إعلان الحروب والطوارئ وبالتالى يجب الحساب على أساس 1.25 مليون طن شهريا هى كامل احتياجات رعاياها من الشعب المصرى من القمح، بالمثل أيضا ينطبق الأمر تماما على إعلانها عن مخزوننا من السكر والأرز والشاى بما يكفى لصرف مستحقات البطاقات التموينية لعدد 62.5 مليون مصرى فقط وليس لكامل 85 مليون مصرى وعليها أن تقول لنا عن موقفها إذا لم يتواجد السكر بالمحال التجارية والسوبر ماركت أو الفول أو العدس أو ارتفعت أسعار الطماطم مرة أخرى لخمسة عشر جنيها وهل ستظل وقتها مسئولة فقط عن جزء من الشعب المصرى أم عن كامل الشعب المصرى؟! الأمر أنها لا بد لها من أن تطرح كميات هائلة من السكر إلى المجمعات يستفيد منه الجميع وبالمثل للزيت والأرز ومختلف السلع الغذائية الرئيسية بما فيها الطماطم والبقول وغيرها، لذلك فإن البيانات الخادعة لوزارة التموين والتى تخاطب غالبا رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء فقط ولا تخاطب أبدا الشعب المصرى ينبغى أن تتحول للتعامل بالشفافية المطلوبة، والقول بأن المخزون الحكومى من القمح هو كذا وهذا يكفى الرغيف التموينى لمدة كذا وأن المخزون للحكومة والقطاع الخاص لتغطية احتياجات مصر من المكرونة والرغيف والمخبوزات والدقيق لمدة كذا!. وقد رأينا من قبل كيف لوزير زراعة سابق قد فاجأ الشعب المصرى بأن إنتاج مصر من القمح يغطى 90% من احتياجات مصر وأستعجب الشعب المصرى من ذلك لأن مصر تتربع على قمة الدول الأعلى استيرادا للقمح فى العالم ومنذ ثمانى سنوات كاملة فكيف تتحول إلى مثل هذا الاكتفاء الذاتى خلال ثلاثة أشهر فقط من تولى السيد الوزير الهمام بما أوجبنا التصدى لمهاتراته ليتراجع ويقول إنه كان يقصد احتياجات مصر من الرغيف المدعم لكون الحكومة مسئولة عنه والذى لا يتجاوز 8 ملايين طن فقط متناسيا أن احتياجات أى دولة من القمح لا تتجزأ إلى قمح رغيف مدعم وآخر بلدى ومكرونة ودقيق وإنما هى احتياجات دولة ينبغى أن تعامل كوحدة واحدة لا تتجزأ، وتمتد عدم الشفافية مثلا إلى الإعلان عن إنتاجنا من القمح بالإردب الذى هو 150 كجم فقط بدلا من الطن الذى هو ألف كجم وبالتالى يبدو رقم الإنتاج أكبر من حجمه بنحو سبعة أضعاف.

■ كلية الزراعة -جامعة القاهرة

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.