رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تيران وصنافير".. تنازل أم إعادة ملكية؟.. القصة الكاملة للجزيرتين منذ بداية الخلاف بين مصر والسعودية وحتى شائعة "السيسي باع الأرض مقابل الدعم"

مصر والسعودية و السيسى
مصر والسعودية و السيسى و جزيرتي تيران وصنافير

"السيسي يتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، مقابل 2 مليار دولار سنويًا + 25 % من قيمة الغاز والبترول المستخرج منهما"، شائعة أطلقها البعض بالأمس، وانتشرت على مواقع التواصل، ورددتها بعض المواقع مجهولة الهوية، مدعّمة معلوماتها بآراء مصادر مجهولة، وصفوها بالمقرّبة من القصر الملكي، فما هي قصة هاتين الجزيرتين "من طقطق لسلام عليكم"، كما هو دارج بالعامية المصرية؟

منذ 66 عامًا، لاح في الأفق بداية نزاع بين مصر والمملكة العربية ‏السعودية، حول ما يُعرف باسم جزيرتي "تيران وصنافير"، التي شكلت محل نزاع بينهم بمرور السنوات، ‏حول أحقية كلًا منهم في هذه الجزر.‏

وبالأمس، وضع الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع نظيره المصري الرئيس عبدالفتاح السيسي، نهاية لهذا ‏الجدل الدائر حول جزيرتي خليج العقبة، بعدما تم توقيع إتفاقية ترسيم الحدود بين القاهرة والرياض، والتي ‏بموجبها دخلت "تيران وصنافير" ضمن الأراضي والسيادة السعودية.‏

تقع الجزيرتين عند مدخل خليج العقبة بين الجهة المصرية والسعودية، وهي جزر في الأساس غير ‏مأهولة، وتصنع ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وأقرب ‏إلى ساحل سيناء، وهو الأصلح للملاحة عمقه 290 مترا واسمه ممر "إنتربرايز".‏

والثاني أيضا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، ولكن أقرب إلى الجزيرة، وهو ممر جرافتون، وعمقه 73 ‏مترا فقط، في حين يقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، وعمقه 16 مترا فقط؛ لهذا فالجزيرتان لهما ‏أهمية إستراتيجية لأنه يمكنهما غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة‎.‎

كما تعد الجزيرتان، من أكثر الجزر حول العالم جذبًا للسائحين، إذ تنتشر بهما الشعب المرجانية وأسماك ‏نادرة حول العالم، لذلك فإن موقعهما المتطرف في البحر الأحمر بعيدًا قليلًا عن جنوب سيناء جعلهما هدفا ‏دائمًا للاحتلال الإسرائيلي.‏

الخلاف.. بدأ عام 1950، حينما تنازلت السعودية عن الجزيرتين إلى مصر بسبب ضعف التأمين البحري ‏السعودي، والتخوف من طمع إسرائيلي في الجزيرتين، واتفق الجانبان على رفع العلم المصري على ‏الجزيرتين، لاستخدامها في الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلى بعد هزيمة 1948.‏

وقامت الدولتان بإعلام بريطانيا في 30 يناير من العام نفسه، ثم الولايات المتحدة في 28 فبراير، بأنهما ‏وبصفتهما الدولتين اللتين تسيطران على جانبي مدخل الخليج، فقد اتفقتا على تواجد القوات المصرية في ‏جزيرتي تيران وصنافير دون أن يخل ذلك بأي مطالبات لأي منهما في الجزيرتين‎.‎

ولكن عقب انسحاب إسرائيل عام 1957 من سيناء وقطاع غزة، وضعت شروط بضرورة وجود قوات ‏دولية في منطقة شرم الشيخ ومضائق تيران، فقامت المملكة بالإرسال للبعثات الدبلوماسية في جدة ثم للأمم ‏المتحدة، ما يفيد أنها تعتبر جزيرتي تيران وصنافير أراضٍ سعودية.‏

وجاء عام 1967، ليزيد الأزمة تعقيدًا بعدما احتلت إسرائيل الجزيريتين بالممرات، وتواجدت القوات ‏البحرية الإسرائيلية بكثافة فيهما، وأغلقت إسرائيل خليج العقبة بشكل تام بعد أن سيطرت على هضبة ‏الجولان في سوريا، وأصبحت الجزيرتين تحت السيادة الإسرائيلية. ‏

وبعد انتصار أكتوبر ظلت إسرائيل متحكمة في الجزيرتين، إلى أن تم توقيع اتفاقية السلام بين مصر ‏وإسرائيل عام 1979 لتدخل الجزيرتين في نطاق المنطقة "ج" وتعود ملكيتهما إلى مصر من جديد ‏شريطة ألا تتواجد بهما قوات عسكرية مصرية.‏

ولكن بموجب الإتفاقية لن تمارس مصر سيادتها على الجزر، وقد سبق في عام 2003 أن قدمت إسرائيل ‏طلبًا رسميًا لمصر لتفكيك أجهزة لمراقبة الملاحة قامت بتركيبها في المنطقة، وقوبل طلبها بالرفض، لأنها ‏جزر في الأصل سعودية.‏

أما عن الممرات بين الجزر وسيناء فقد سيطرت عليها القوات المصرية بشكلٍ تام، وفتحت الملاحة ‏البحرية في خليج العقبة، وأصبحت جزيرتا "تيران وصنافير" من أهم الجزر الخلابة التي يأتي إليها ‏السائحون من جميع الجهات بما في ذلك السائحين الإسرائيليين.‏

وفي عام 2010 أصدرت المملكة إعلانًا ملكيًا، لتحديد خطوط الأساس للمناطق البحرية للمملكة في البحر ‏الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي‎.‎

ودفع الإعلان الملكي السعودي لإصدار القاهرة إعلانًا أودعته لدى الأمم المتحدة، أن المرسوم الملكي ‏السعودي لا يمس أو يغير في الموقف المصري في المباحثات الجارية مع الجانب السعودي لترسيم الحدود ‏البحرية بين البلدين.‏

وأشارت فيه إلى أن خط الحدود الذي أعلنت عنه المملكة تضمن مناطق تعتبرها القاهرة ضمن مناطقها ‏الاقتصادية الخالصة، والتي تمتد مسافة 200 ميل بحري، وفق اتفاقية ترسيم المياه الاقتصادية الخالصة ‏بين الدول، التي أقرتها الأمم المتحدة‎.‎

وفي يوليو 2015 وقع وزير الدفاع السعودي والرئيس السيسي على اتفاق القاهرة، والذي تضمن البند ‏السادس منه على تعيين الحدود البحرية بين البلدين.‏

ولم يأت الحديث عن عودة تلك الجزيرتين إلى السعودية مرة أخرى إلا هذه الأيام، بعدما جاء الملك سلمان ‏إلى القاهرة حاملًا نحو 20 اتفاقية، وشملت مباحثاته مع الرئيس السيسي على ترسيم الحدود البحرية، التي ‏بموجبها عادت الجزيرتين إلي السعودية، بعد 66 عامًا قضتها الأحضان المصرية.‏

وعن الجدل الدائر بشأن التنازل المصري، أكد أحمد مهران، أستاذ القانون الدولي، ومدير مركز الأهرام ‏للدراسات السياسية والقانونية، أن الإتفاقية هي إقرار ضمني من مصر بأن الجزيرتين تتبعان السعودية ‏وتدخلان ضمن حدودها، مشيرًا إلى أن الاتفاقية لا تعد تنازلًا من الجانب المصري، لأن الجزيرتان في ‏الأساس داخل حدود المملكة.‏

وأضاف، أن الجزيرتين داخل المياه الإقليمية السعودية، وتم الاستعانة بالقوات البحرية المصرية لتأمينها ‏وليس امتلاكها، وبناء عليه لا يحق لمصر التنازل عن جزيزة لم تملكها أو تستغلها في الأساس، ومشيرًا ‏إلى أن الخلاف بينهم لم يكن على ملكية الجزيرة أو حدود المياه الإقليمية، ولكن أرادت مصر منذ فترة ‏طويلة إنشاء جسر تستفيد منه لكن المملكة كانت ترفض.‏

ولفت إلى أن معنى ترسيم الحدود، هو إعادة ملكية الجزيرة إلى السعودية، وسحب القوات المصرية منها، ‏والاتفاق على إنشاء جسر يربط مصر بدول إفريقيا وآسيا، يفيد الجانبين ويفتح مجال جديد للتجارة، وليس ‏تنازلًا مصريًا.‏

وأشار إلى أن توقيع الإتفاقية دون الرجوع إلى البرلمان أو الموافقة عليها، هو أمر غير دستوري، ومخالفة للقانون والدستور، الذي نص على أن حدود الدولة المصرية معروفة ولا يجوز تغييرها أو ‏تعديلها بموجب أي إتفاقية سوى التي تقر من البرلمان.‏

وقال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن جزر رأس محمد وما حولها، تدخل في نطاق حدود المياه الإقليمية السعودية، لكن المملكة تنازلت عنها لمصر وقت الحرب مع إسرائيل، منوها أن ردها للسعودية مرة أخرى شيء طبيعي.

وأضاف بيومي، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "صباح أون" مع الإعلامي محمد عبده، المُذاع على فضائية "أون تي في لايف"، أن الجزر أصلا سعودية، وأوكل إلى مصر باتفاق البلدين أن تدير الأمن فيها، وإذا شاءت مصر استمرت أو خرجت، أما ما يقال بشأن تنازل مصر فهو غير صحيح.