رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حين يكون الفيلسوف ملكاً.. والملك فيلسوفاً


ألقى الرئيس الكرة فى ملعب المثقفين وطلب رؤية استراتيجية لمستقبل مصر الذى نريده.

هذه أول خطوة فى الاتجاه الصحيح لوقف التدهور والانهيار الذى طال جميع المؤسسات وأحال الحياة إلى مسلسل من الأزمات المثقفون «المفكرون والمبدعون» هم ضمير الأمم وعقلها الراشد، وذخيرتها الحية ومصر تمتلك فى هذا الصدد رصيداً هائلاً من «الاحتياطى العقلى» الذى يمثل قاطرة لمشروع نهضوى للحاق بركب التطور.

ومشروع النهضة يتطلب تدشين «ثورة ثقافية» شاملة وتلك هى خلاصة التجربة الإنسانية، وحصاد الخبرة التاريخية.

الثورة الثقافية سبقت الطفرة الاقتصادية فى الصين والثورة الصناعية فى أوروبا سبقتها ثورة ثقافية أسست عصر النهضة.

فالمثقفون هم وقود الثورات الثقافية التى صنعت التقدم الحضارى ونهضت بالبشرية، ومهمة المثقفين كانت دائماً أن يرسموا الطريق إلى حياة أفضل للشعوب ثم يأتى دور السياسيين لترجمة أفكار المفكرين وتحويلها إلى سياسات وبرامج قيد التنفيذ.

فالثورة الثقافية فى أوروبا أشاعت مناخاً إبداعياً ألقى آثاره على حياة الناس وأتى بثماره الصناعية والاقتصادية.

فموسيقى بيتهوفن وموتسارت وباخ وشتراوس ولوحات مايكل أنجلو ودافنشى وروايات شكسبير وموليير أطلقت العنان لخيال العلماء وألهمت المخترعين قبل الثورة الصناعية.

وأفكار روسو وفولتير وكانت ولوك عن الحريات السياسية والعدل الاجتماعى والحريات الدينية أسست لتطور النظم السياسية.

والتطور الحضارى للأمم بدأ بتشييد الجسور بين المفكرين والسلطة السياسية.

أفلاطون اختزل المسألة بعبارة وقال «إن حال الشعوب لن ينصلح إلا إذا سار الفيلسوف ملكاً وصار الملك فيلسوفاً».

الفكرة رومانتيكية وغير واقعية ومجردة لكنها قاعدة تأسست عليها حتمية العلاقة بين الثقافية والسلطة السياسية.

إن مستقبل البلاد يصنعه السياسيون وحدهم وقائل هذه العبارة الجنرال ديجول.

قالها بعدما اتصل هاتفياً خلال اجتماع لمجلس الوزراء الفرنسى ليسأل الفيلسوف الوجودى «جان بول سارتر» هل تعتقد أن الإنفاق على التسلح النووى أجدى لفرنسا خلال الثلاثين سنة القادمة أم الإنفاق على صناعة المعرفة؟

فاحال «سارتر» الإجابة إلى مقولة فرانسيس بيكون «المعرفة هى مصدر قوة الشعوب».

وقبل أن يلقى الزعيم تشرشل بيان حكومة الحرب فى مجلس العموم جلس مع الفيلسوف البريطانى برتراند راسل قائلاً له: ماذا أقول للشعب بينما الطائرات الألمانية قادرة على دك مجلس العموم بالقنابل.

قال راسل: قل للناس الحقيقة.

قال: الحقيقة إنه ليس عندى ما أقدمه سوى الأمل والدماء والدموع.

قال: هذا يكفى قلها للشعب البريطانى.. وكانت هذه أبلغ عبارة فى تاريخ الخطب السياسية وقبل تطور النظم السياسية استعان الملوك والأباطرة بالمفكرين والفلاسفة.

والإسكندر الأكبر أسس إمبراطوريته بعدما تتلمذ على يد «أرسطو» وقبل غزو مصر سأل الإسكندر معلمه الفيلسوف عن الطريق لعقل المصريين فقال: الدين ونصحه بعدم نزول جيوشه من السفن إلى الأراضى المصرية قبل أن يتوجه إلى معبد آمون فى الصحراء الغربية؟ ويتعبد لمدة أسبوعين لكى يتوحد مع المصريين ويستلب مشاعرهم الروحانية.

أما الإمبراطور «فريدرك الأعظم» كان صديقاً لـ «فولتير» قبل أن يقدم على غزو النمسا وضمها إلى بروسيا وسأله فولتير عن السبب فقال: ما فائدة جيشك القوى ما لم تستغله لتعظيم مساحة بلادك.

رد فولتير: لكن احتلال أراضى جيرانك عمل لا أخلاقى، فقال فريدرك ومتى كانت الفضيلة معوقاً لطموح الملوك؟ وكانت هذه العبارة فراقاً بينهما.

وكذلك نابليون بونابرت الذى يعد أعظم عبقرية عسكرية فى التاريخ فقد استعان فى حملته على مصر بجيش من المفكرين والمثقفين والعلماء وسألهم ذات السؤال عن الطريق للسيطرة على المصريين فقالوا له «الأزهر».

فكان أول ما فعله أن شكل مجلساً استشارياً من علماء وشيوخ الأزهر ليكتسب شرعية سياسية وكانت فرماناته الصادرة من قيادة الحملة تبدأ بعبارة «بسم الله الرحمن الرحيم». ويروى «الجبرتى» أن بونابرت قام بزيارة مفاجئة لشيخ الأزهر الإمام الشرقاوى فى بيته خلال اجتماعه بمجلس العلماء، حين أُذن لصلاة المغرب فاصطف المصلون خلف «الشرقاوى» الذى لاحظ اصطفاف بونابرت بينهم فطلب الشرقاوى من أحد المشايخ أن يصطحب بونابرت مكان الوضوء لئلا تكون صلاته باطلة يقول المؤرخ الأمريكى «كريستوفر هيرالد» فى كتابه «بونابرت فى مصر» إن نابليون اعترف فى مذكراته التى كتبها أثناء سجنه بجزيرة «سانت هيلانه» أنه استغل الدين الإسلامى لضرب عقيدة الوطنية للشعب المصرى وقال فيما نصه «حينما تتصارع العقيدة الدينية مع العقيدة الوطنية فى عقول الناس تنتصر العقيدة الدينية وتنهزم العقيدة الوطنية».

الإخوان فيما بعد تبنوا هذه الفكرة للوصول إلى السلطة وتخلوا عن العقيدة الوطنية وقالوا إن عاصمة مصر يمكن أن تكون فى ماليزيا وإن أرض سيناء يمكن أن تكون وطناً للفلسطينيين.

ويعترف بونابرت فى مذكراته أنه كان يخطط قبل اعتقاله للذهاب إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، والطواف بالكعبة. وقال إن احتلال مصر بموقعها الجغرافى ومركزها الحضارى يستحق هذه التضحية وأكثر أما الأسباب التى حالت دون ذهابه للحج وطوافه بالكعبة.. فتلك قصة أخرى.

فالمفكر ليس مهمته أن يكون ايديولوجياً، لأن الايديولوجية كما يقول الدكتور زكى نجيب محمود تضع قيودا على حرية التفكير وتجعل للتفكير إطاراً مذهبياً، بينما حرية التفكير تخلص العقل من كل القيود.. قيود الموروث الثقافى والقيم السلبية وقيود والسلطة السياسية.. وتلك قصة أخرى!