رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصخرة أم الرمل؟


يحكى قديماً أن صديقين كانا يسيران فى الصحراء، تجادلا، فضرب أحدها الآخر على وجهه!!! لم ينطق المضروب بأى كلمة لكنه كتب على الرمال «اليوم أعز أصدقائى قد ضربنى على وجهى».... استمر الصديقان فى سيرهما إلى أن وجدا واحة، فقررا أن يعوما فيها قليلاً، فعلقت قدم المضروب فى الرمال المتحركة، وبدأ يغرق.. فأمسك به صديقه وأنقذه.... فقام المضروب بعد نجاته من الموت بنحت على قطعة من الصخر «اليوم أعز أصدقائى قد أنقذ حياتى». تعجب صديقه وسأله: «لماذا كتبت على الرمال عندما ضربتك فى المرة الأولى، والآن تنحت على الصخرة؟». فأجاب صديقه: «نكتب الإساءة على الرمال عسى ريح التسامح أن تمحوها...و ننحت المعروف على الصخر حيث لا يمكن لأشد الريح أن تمحيه»..... استوقفتنى هذه الكلمات كثيراً وأنا اقترب منتاريخ ذكرى يوم مولدى... فكلما نقترب من ذكرى عيد الميلاد، نتوقف كثيراً مع النفس لتقديم كشف حساب العام الماضى... فحاولت هذا العام، أن أجعل ذاكرتى لا تذكر إلا ما نحت على الصخر وتنسى ما كتب على الرمل... فعند مرور عام من العمر القصير نشعر دائماً بأن الحياة أقصر من أن نقضيها فى تسجيل أخطاء الآخرين فى حقنا.... وأن تذكر اللحظات الجميلة فى حياتنا والذكريات السعيدة والضحكات من القلب ولو لحظات تمنحنا قوة إيجابية تساعدنا على المضى قدماً فى رحلة الحياة.. وأن عظمة قوة الإنسان هى فى عفوه عند المقدرة وبمدى قدرته على التسامح... فالعفو ليس يسيراً علينا فذاكرتنا قادرة على تخزين الغدر أو الخطأ وعدم نسيان أكثر من قدرتنا على تذكر المعروف والخير... هذا هو الإنسان وهذه هى طبيعته! توقفت عند كلمات خالقى سبحانه وتعالى فى كتابه «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» و«فاصفح الصفح الجميل». فحاولت أن أصفح وأن أسامح أعدائى وحاولت أن أجد لهم أعذاراً لتصرفاتهم لأن خير الناس هم أعذرهم للناس...

حاولت أن أملا قلبى بالرحمة «فالرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر.. ففيها الحب، التضحية، إنكار الذات، التسامح، العفو، الكرم، وقليل منا القادرون على الرحمة».. صدقت يا د. مصطفى محمود. اللهم اجعلنا من هؤلاء القلة... إن العمر لحظات نعيشها، فتعالوا نحاول أن نجعل من هذه اللحظات عمراً للآخرين يتذكروننا به ويتذكرون سماحتنا عند رحيلنا.. والآن... عند اقتراب ذكرى يوم مولدى دعوت الله أن يعلمنى التسامح ويمنحنى قوة وقدرة وأخلاق العفو لأن التسامح هو أعلى مراتب القوة وقمة الأخلاق أن تعفو وأنت قادر على الانتقام..

وإذا كان الله يسامح ويغفر، فمن نحن حتى لا نسامح.. سبحانه ربى. فحاولت التشبه بعمر الفاروق وقد عفا عن الجميع «كل الناس منى فى حل».... فعملت جاهدة على مسامحة كل من أساء إلىّ، أو قصر فى حقى، أو لم يبادل الإحسان بالإحسان، أو طعننى بخنجر الخيانة والغدر... وعملت على تجاوز أخطاء الآخرين والنظر إلى مزاياهم بدلاً من التركيز على عيوبهم وأخطائهم تقرباً من الله سبحانه وتعالى لملاقاته يوم اللقاء عسى أن يعفو ويغفر لى ويسامحنى.. «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين».. التسامح والعفو أقوى من الانتقام «وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم».. يا ابن آدم... إن بينك وبين الله خطايا وذنوباً لا يعلمها إلا هو وأنك تحب أن يغفرها لك الله.. فإذا أحببت أن يغفرها لك فأغفر أنت لعباده. وإن أحببت أن يعفو عنك فاعف أنت من عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل» ابن القيم.اللهم أنى أشهدك بأننى قد سامحت كل من اغتابنى، كل من أخطا فى حقى، وكل من أساء إلىّ..اللهم... اجعلنى من العافين عن الناس والكاظمين الغيظ ومن المحسنين.... اللهم اجعل قلبى لا يعرف إلا الحمد، الرحمة، اعطى ولا أنتظر جزاء ولا شكوراً.. اللهم... اجعلنا جميعاً نتذكر الخير الذى نحت على الصخر ونسقط من الذاكرة ما حفر على الرمال..... واكتب لنا عندك حياة أفضل من الحياة الدنيا.. موعدنا الخميس المقبل إن شاء الله.