رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإسلام.. وفقه الأولويات


قال صديقى إن والده الميسور حالاً يحرص كل عام على زيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج. ظنا منه أن أكثر الناس أداء للفريضة أقربهم من الله فى الدنيا والآخرة. فالرجل لم ينل من العلم ألا أدناه. وكانت كلماته مفتاحا لحوار امتد لأكثر من ساعتين وانتهينا إلى أن الإسلام الذى نعرفه يرى أن من أولوياته البحث فى الضروريات وهو ما تعارف عليه الناس فى السنوات الأخيرة بفقه الأولويات. فأبواب الخير التى يثاب المرء عليها لا تعد ولا تحصى وما يقرب العبد من ربه لا يقف عند حدود الفرائض الوارد بها كثير من النصوص فى القرآن والسنة. فهناك من يظنون أن تعمير المساجد وتشييدها من أعظم القربات. وأذكر عندما تقابلت منذ سنوات مع أحد الأخوة الميسورين وقد وفقه الله تعالى للإشراف على إحدى الجمعيات الخيرية التى ترى أن من مهامها إقامة المساجد بتبرعات أهل الخير. ترجمة لقول الله تعالى «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر» يومها قلت له ألا ترى أن هناك من الأولويات ما لا يقل بحال عن ثواب الإنفاق فى بناء المساجد وربما يدر عائدا على صاحبه فى الدنيا والآخرة هو أثمر مما تحرصون عليه. لا سيما أن أرض الله واسعة. ورسولنا هو القائل «وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا» وبالتالى فبمقدور كل من يريد الصلاة أداءها وفى أى مكان دون الحاجة إلى ما نراه من تبذير وإسراف فى كثير من عمارات المساجد وكان رده القاطع «هذا ما نراه صحيحا» فمراتب الخير فى الإسلام لا تحتاج إلى بيان والنبى صلى الله عليه وسلم يقول «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» ولا يمكن إغفال ما جاء على لسان الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عندما قال: يكثر الناس فى آخر الزمان من الحج بلا سبب يهون عليهم السفر ويبسط لهم فى الرزق. فيهوى بأحدهم بعيره بين الرمال والقفاز. يضرب فى الأرض وجاره ألى جنبه مأسور لا يواسيه. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فالمسلمون هذه الأيام يعانون ويلات الأزمات والأمراض ما ظهر منها وما بطن. ولا يجدون من يشد أزرهم ويخفف عنهم آلامهم فهناك طالب العلم الفقير ذو الحاجة الذى لا يجد من يؤازره والنتيجة الحتمية فشل ذريع لمستقبله وهناك المساكين والفقراء والذين تعرفهم بسيماهم وهم لا يسألون الناس إلحافا ولا يجدون من يسد جوعتهم ويستر عورتهم والأخطر هو فتح الطريق أمامهم إلى عالم الجريمة والرذيلة. ولا يمكن أن نغفل هذه النظرية المستقبلية التى أرساها هذا المتصوف الزاهد «بشر بن الحارث» عندما جاءه رجل وقال له يا أبا نصر إنى أردت الحج وجئتك أستوصيك فأوصنى فقال له كم أعددت من نفقة الحج.قال ألفى درهم فقال له: هل تريد الحج تزهدا أو اشتياقا إلى البيت أم ابتغاء مرضاة الله. قال والله ابتغاء مرضاة الله. قال هل أدلك على ما تحقق به مرضاة الله وأنت فى بلدك وبين عشيرتك. قال: تعطى هذا المبلغ عشرة أنفس. فقير ترمم فقره. ويتيم تقضى حاجته. ومدين تقضى عنه دينا. ومعين تخفف عنه أعباء عياله. ولو أعطيتها واحداً لتسد بها حاجته فهو أفضل. وهل هناك أسمى من أن يطعم المسلم جائعا أو يداوى مريضا أو يأوى مشردا أو يكفل يتيما أو يقضى حاجة أرملة أو يبنى داراً للعلم أو يسهم فى مشروع ذى بال. لقد كنت منذ أيام فى زيارة ومعى زملاء أفاضل إلى جامعة كفر الشيخ وهالنى وأبهرنى المبنى الحديث لمستشفى الجامعة والذى تم تشييده بتبرعات أهل الخير من أبناء المحافظة انه يعد فعلا أحد الصروح التى تضاف الى قريناتها فى المنصورة وغيرها من الجامعات..وقد زادت سعادتى عندما استمعت الى شرح واف من الدكتور ماجد القمرى- رئيس الجامعة- حيث تم تزويد المستشفى بأحدث وأرقى الأجهزة المتنوعة فى عالم الطب وقد قال لى إن المرحلة الأولى ستبدأ إن شاء الله فى بداية شهر مايو المقبل..حاجتنا إلى مثل هذه المشاريع التى تخدم الفقير والغنى أصبحت ملحة وضرورية مستشفى جامعة كفر الشيخ على مشارف الافتتاح واستقبال المرضى، إلا أنه ما زال فى حاجة إلى مد يد المساعدة للانتهاء من كل الأقسام. وصدق الله تعالى حيث يقول «أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المساجد كمن آمن بالله واليوم الآخر» صدق الله العظيم.