رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجلس المستجيرين من الرمضاء!


لا أستطيع أن ألوم الرئيس الأمريكى ولا وزيرة خارجيته ولا الاتحاد الأوروبى ولا الأمين العام للأمم المتحدة على مواقفهم غير العادلة طالما أنى أرى أننا كعرب شعوباً وحكومات ما زلنا نهرب من رمضاء العدوان الإسرائيلى إلى نار الانحياز السافر والسافل للولايات المتحدة والغرب.

أشفق على غزة مما يصدر عن الدول العربية ومما صدر عن رئاسة الجمهورية، فالواقع أننى حينما سُئلت عن رأيى فى بيان رئاسة الجمهورية عن غزة قلت إننى لا أؤيده ولا أعارضه، باعتبار أنه لم يأت بما يعتبر جديداً سوى زيارة وفد برئاسة رئيس الوزراء للقطاع، وحتى هذا جاء خارج البيان الرئاسى، أما أنى لا أؤيده فلأنى أرى أنه لم يأت بجديد، فاستدعاء السفير المصرى من تل أبيب سبق أن حدث قبل 2011 ، والالتجاء إلى مجلس الأمن سبق أن قمنا به عدة مرات، ولم ننجح، ونعلم أن الولايات المتحدة تستخدم حق النقض «الفيتو» ضد أى مشروع قرار يدين إسرائيل، أو يجبرها على شىء، واجتماع مجلس الجامعة العربية سبق وأن تكرر ولم ينجح فى اتخاذ قرار وينفذه إلا حينما يكون القرار ضد دولة عربية، العراق سابقاً، ثم ليبيا ثانياً، ثم سوريا الآن، أما وأن إسرائيل ليست عربية وليست عضواً فى جامعة الدول العربية فإن مجلس الجامعة لن يصدر قراراً قوياً ضدها، ولن ينفذ قراراً ضدها. الأغرب من كل ما سبق ما عرفته بأن القرار الرئاسى لم تستشر فيه وزارة الخارجية، وأن الوزارة علمت به فى نفس الوقت الذى عرف به الجمهور المصرى. أخيراً فإن تبليغ سفير إسرائيل بالاحتجاج تم فى مطار القاهرة وليس فى وزراة الخارجية، أما ما قيل عن طرد السفير الإسرائيلى فهو ما لم يحدث ولم يدعه أى فرد له صفة رسمية، وأن السفير قد جمع طاقم السفارة وأبقى فرداً واحداً وركب الطائرة وأقلع!

كان قرار إرسال وفد برئاسة رئيس الوزراء إلى القطاع للتعبير عن الدعم والتضامن يوحى بأن هناك شيئاً جديداً، وكأنه نوع من التحدى للعدو الصهيونى، إلا أننى سرعان ما تذكرت أن أمير قطر، وما أدراك ما أمير قطر، سبق وأن زار القطاع، وأنه من الواضح أن زيارته للقطاع عن طريق مصر جاءت بالتنسيق مع العدو الصهيونى، وبالتالى فإن الزيارة ربما بدت اعترافاً بالأمر الواقع بدلاً من التحدى أو حتى الدعم والتضامن، وبدا أن الزيارة كان يمكن أن تكون اختباراً لنا ولإسرائيل، وكان سؤال الاختبار: هل تتوقف إسرائيل عن القصف فترة الزيارة؟ حيث كان أمامنا احتمالان: أن تهتم إسرائيل بالزيارة وتتوقف تلقائياً عن القصف فترة الزيارة وهو ما لم يحدث، أو أن تستمر فى القصف مع الحرص على عدم إصابة أحد من الوفد. وجاء الرد بأن الزيارة تتم بالتنسيق مع العدو الصهيونى، وأنه حدد فترة الزيارة بثلاث ساعات لا أكثر، وأنه تعهد بالتوقف عن القصف بشرط التزام المقاومة الفلسطينية بعدم إطلاق الصواريخ، وكانت النتيجة أن الفصائل الفلسطينية لم تلتزم، وكذا العدو الصهيونى!

رغم أن مجلس جامعة الدول العربية قد اجتمع ورغم ما قيل على لسان بعض وزراء الخارجية من ضرورة البحث عن استراتيجية جديدة ، وما قيل عن الذئاب والنعاج، فإن المجلس بدا معبراً عن سياسة المستجيرين بالنار. فما فعله وزراء الخارجية لم يخرج عن تأييد جهود مصر لإيقاف إطلاق النيران، وعن تشكيل وفد من وزراء الخارجية لزيارة القطاع تعبيراً عن الدعم، وتشكيل لجنة لدراسة الاستراتيجية العربية حيال الموقف من فلسطين، ولم يأت على أسطر البيان الختامى ما يمكن أن يشير إلى استخدام القدرات العربية ضد من يؤيدون العدوان ومن يقومون به، ولم يشر مسئول عربى إلى إدانته لموقف الرئيس الأمريكى أوباما الذى اعتبر العدوان على غزة دفاعاً عن النفس، ولم يتوقف الأمر عنده بل انتقل وبسرعة إلى الاتحاد الأوروبى، وحلف الأطلنطى وإلى دول أخرى كثيرة.

الغريب أن الرئيس الأمريكى يقوم ببجاحة بالاتصال بالرئيس المصرى ليقوم بالوساطة من أجل تهدئة، وأن الرئيس المصرى ومن ورائه مجلس جامعة الدول العربية يقوم بالوساطة للتوصل إلى إيقاف لإطلاق النيران، أو وفقاً للمصطلح المستخدم للوصول إلى تهدئة، بل وربما بشر بالتوصل إلى اتفاق للتهدئة، ولا يقول أحد سواء الرئيس أو فريقه الرئاسى أو مجلس جامعة الدول العربية شيئاً عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، بل إن الحديث يجرى عن تهدئة أو هدنة طويلة لمدة خمسة عشر عاماً ولا يقول لنا أحد كيف تعالج القضية فى ظل مثل هذه الهدنة.

يسعى العدو إلى الضغط على الجانب العربى – فلسطين الآن، ولبنان عام 2006 – حتى يصبح الهم الأكبر هو إيقاف إطلاق النيران لإيقاف نزيف الدم، ولكنه بعد ذلك يماطل ويسوف، ويستمر فى بث المستوطنات، أو على الأصح المستعمرات، ويكمل استيلاءه على فلسطين، ويبحث الفلسطينيون عن حقوقهم وقضيتهم ولا يجدونها، فيلجأون إلى الصواريخ وإلى الانتفاض، لتتكرر وتغلق الحلقة المفرغة، أما إيقاف إطلاق النيران، أو الهدنة، أو التهدئة، قل ما شئت، فإن العدو الصهيونى لا يحترمه، وأستطيع أن أؤكد من الآن أنه لن يحترم الاتفاق الذى سيوافق عليه بالنسبة للنيران، وسيختار ما يراه مناسباً له فى القرار ويتجاهل ما لا يريده. لذا فإن الجانب العربى عليه أن يكون مستعداً وألا يركن إلى أن العدو قد وقع اتفاقاً، أو أن قراراً صدر من جهة ما بالهدنة وإيقاف النيران.

لم يكتف الرئيس أوباما بالرمضاء التى هى اعتباره العدوان الصهيونى دفاعاً عن النفس، ولكنه حينما وصل إلى بورما فى زيارته الأخيرة تحدث عن أهمية جهود مصر لوقف إطلاق النيران، ولكنه رأى فيها أهمية لتقليل مخاطرة الخسائر الإسرائيلية،أى أن الضحايا العرب لم يثيروا الرئيس باراك حسين أوباما، ولكن زيادة الخطر على الأرواح الإسرائيلية هى التى تشغل باله وتثير اهتمامه، هكذا انتقل العرب برئاسة مصر وبمجلس وزراء الخارجية من رمضاء العدوان الصهيونى إلى نار شفقة الرئيس الأمريكى على الجنود الصهاينة من نيران العرب، أما وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون فلم يفتها أن تؤكد أن الالتزام الأمريكى بأمن إسرائيل ثابت لا يتزعزع، وهكذا ألقت السيدة الوزيرة بمزيد من الزيت على النار التى أشعلها رئيسها.

لا أستطيع أن ألوم الرئيس الأمريكى ولا وزيرة خارجيته ولا الاتحاد الأوروبى ولا الأمين العام للأمم المتحدة على مواقفهم غير العادلة طالما أنى أرى أننا كعرب شعوباً وحكومات ما زلنا نهرب من رمضاء العدوان الإسرائيلى إلى نار الانحياز السافر والسافل للولايات المتحدة والغرب، وطالما أننا نفضل قتل خصومنا من العرب عن أن نجاهد أعداءنا الصهاينة وحلفاءهم، وطالما أن الموارد العربية الطبيعية والبشرية متاحة للأعداء وغير مرحب بها على أراضينا، وطالما أن الرئيس الصرى مشغول بالوساطة بين الفلسطينيين وأعدائهم، بدلا من دعم الفلسطينيين ماديا على الأقل بالحاجات الأساسية للعيش الكريم، وطالما أننا لا نطالب بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ونحن نطالب بإيقاف العدوان الإجرامى، أى أننا ومجلس وزراء خارجيتنا ما زلنا نستجير من الرمضاء بالنار!

■ خبير استراتيجى