رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التمثيل حرام.. وخيبتكم حلال


قبل حوالى ثلاثة عقود أخرج الأستاذ عاطف الطيب فيلماً سينمائياً بعنوان «ضد الحكومة» وقام الأستاذ أحمد زكى ببطولة الفيلم المذكور ومعه لبلبة وأبوبكر عزت وآخرون.

هذا الفيلم كان يتناول حادثة تشبه تماماً كارثة قطار أسيوط - أتوبيس مدارس اصطدم بقطار مما أدى لمصرع وإصابة عدد من التلاميذ تطرق الفيلم بالطبع للأحداث والأسباب التى أدت إلى الكارثة وناقش مسئولية المزلقان والسائق والخفير والوزير وسائر الأطراف الأخرى، ولم يكن عاطف الطيب يتحدث فى الفيلم عن الإهمال فقط ولكنه كان يتناول المسئولية السياسية للحكومة بوزيرها ومجلس وزرائها وكل السادة الكبار الآخرين.

هذا الفيلم لو شاهده كل السادة وزراء النقل ورؤساء السكة الحديد وعمال المزلقانات الذين تعاقبوا على هذه الوظائف طوال السنوات الماضية لكان كافياً لتحذيرهم من خطورة المزلقانات العشوائية على طول خطوط السكة الحديد فى شمال مصر وجنوبها وشرقها وغربها ولو شاهده السادة مسئولو التربية والتعليم لكان كفيلاً بتدريبهم على حسن إدارة الرحلات المدرسية التى يستخدمها أطفال صغار يذهب الإهمال والغباء وغياب الضمير بأرواحهم كل عدة أشهر أو عدة سنوات.

هذا البلد ينفق أو يهدر مليارات الجنيهات والدولارات فى مشروعات فاشلة ورشاوى مقنعة ورواتب وبدلات خرافية يتقاضاها أشخاص فاشلون خائبون عديمو الكفاء والضمير، فهل كل هذه المليارات لم يكن من الممكن خصم جزء بسيط منها لكهربة المزلقانات والاستغناء عن خدمة العامل الذى ينام أثناء الخدمة؟ ألم يكن متاحاً طوال العقود الماضية شن حملات أمنية على طول خطوط السكة الحديد لإغلاق المزلقانات العشوائية الأهلية التى يقوم المواطنون الحمقى بإنشائها تعسفياً عند مداخل قراهم وحقولهم؟

أليس فى القانون مواد تكفى لعقاب أى شخص أو جماعة تثبت مسئوليتها عن إقامة مثل هذه المزلقانات؟ هل نحن لا نستحق أن يكون فى بلادنا سكة حديد ما دمنا نتعامل معها بكل هذا القدر من الجهل والتخلف والإتلاف الشعبى والحكومى؟ هل نحن لا نستحق أن تكون فى بلادنا مدارس ما دمنا نتعامل مع أرواح أطفالنا بكل هذا القدر من البلادة والغباء والتخلف والجهل والإهمال؟

وإن كان التمثيل حراماً كما يقول سادة وحكام وفقهاء مصر الجدد، فهل الجهل والإهمال والتخلف حلال؟ أليس عاطف الطيب وأحمد زكى وغيرهما أفضل لهذا الوطن من كل هذه الجحافل ذات الوجوه المكفهرة واللحى المرسلة والكلام الثقيل؟ ألم يتنبأ المخرج المحترم بهذه الكارثة قبل ثلاثين عاماً من حدوثها وقدمها للناس صورة بالكربون لو أدركها أحدهم أو بعضهم ما كانت لتعاود الحدوث بالفعل مرة أخرى؟

ثم ألم يقدم لنا فنانو السينما والمسرح والتليفزيون آلاف الصور الكربونية من كوارث ومآس أخرى عسانا نفهم ونثوب إلى رشدنا ونتعلم كيف نواجه إهمالنا وتقصيرنا وتخلفنا؟ هل نترك كل هؤلاء الآن ونضع أرواح أطفالنا وشبابنا بين أيدى الجهادية السلفية والجهادية النورانية والجهادية الإخوانية وجهادية هشام قنديل؟ البلد غارق فى الكوارث والمصائب ونحن غارقون فى إعداد دستور يسمح بتحطيم التماثيل وهدم الأهرامات وقتل السياح وإبادة النصارى ومبايعة الظواهرى والعنتيبى و«أبوجهل» و«أبولهب»!! أى خيبة هذه أيها السادة؟ هل ذهبت الثورة بما تبقى من عقولكم فصرتم لا تسمعون إلا أنفسكم ولا تفهمون إلا صراخكم ولا تعترفون إلا بالخيبة الثقيلة التى تصرون على وضعها فوق رءوسنا؟!

■ أستاذ التربية - جامعة الزقازيق