رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالتزامن مع صدور أحدث ترجماتها في أمريكا

سلوى جودة: ترجمة الشعر عملية بحثية وذوقية تحتاج إلى خبرة لغوية ومعرفية (حوار)

دكتورة سلوي جودة
دكتورة سلوي جودة

كشفت المترجمة الدكتورة سلوى جودة، تفاصيل صدور أحدث ترجماتها، ديوان الشاعر الكبير أحمد الشهاوي، والذي صدر في نسخته الإنجليزية عن دار “بوذا” للنشر، بولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. 

 

وجاءت ترجمة ديوان الشهاوي، بالإنجليزية للدكتورة سلوى جودة، تحت عنوان “الكلاب تمر من بين أصابعي”. وكان ديوان “ما أنا فيه”، قد صدر عن الدار المصرية اللبنانية باللغة عام 2019. 

 

ويقول محرر الكتاب الروائي الأمريكي “ريد  فوكس” في مقدمة الكتاب: “تدعو المترجمة  الدكتورة  سلوى  جودة  في مقدمة  كتاب ”الكلاب  تمر  من  بين  أصابعي" القراء إلى معايشة عالم مختلف تتجاوز فيه اللغة الحواجز المفتعلة، وتضاء فيه التجربة الإنسانية بوضوح عميق وتنطلق في رحلة تنويرية عبر قلب وعقل  شاعر صوفي صاحب رؤية، حيث تحمل كلمات الشهاوي إلهاما شعريا وحكمة خالدة باقية".

 

وعن الترجمة، وترجمة الشعر تحديدا، وكيف بدأت سلوى جودة رحلتها معها، وعن التحديات التي تواجهها خلال ترجمة الشعر، ودور الترجمة في بناء جسور إلي الآخر وغيرها، كان لـ “الدستور” هذا اللقاء مع المترجمة الأكاديمية سلوى جودة. 

 

الترجمة هي جسر العبور إلى الثقافات الأخرى

 

وحول أهمية ترجمة الآداب العربية إلى اللغات الأجنبية الأخرى، قالت سلوى جودة: الترجمة هي جسر العبور إلى الثقافات الأخرى، وأحد الطرق الأساسية والمحورية في نشر الثقافة وحماية التراث والحضارة الإنسانية، والترجمة نشاط متعدد الثقافات لأنه ببساطة متعدد اللغات لا يمكن للمرء أن يتصور الترجمة دون أن يتخيل العلاقة بين الثقافات في عالم كوزموبوليتاني متشابك التبادلات والتحويلات التي لا تنكر فرادة كل ثقافة وخصوصيته كما لا تتجاهل القواسم العالمية المشتركة.

 

ما دور المترجم في هذه العملية؟

 

المترجم هو وسيط ثقافي ينقل الآخر إليك وأنت في موقعك وينقلك له، وبالإضافة إلى المهارة اللغوية المطلوبة للترجمة، فالمترجم يحتاج إلى الخبرة في تحديد تفرد لغته بين اللغات الأخرى، وأن يكون لديه مهارات الوساطة المتعددة الثقافات، وأقصد بها عملية الربط بين المجالات الثقافية والاجتماعية، وبناء علاقات جديدة بين السياسة والثقافة والفضاء العام، فالمترجم بهذا المعنى وسيط ثقافي، يخلق نص نهائي هو في الحقيقة نتاج ثقافي سينميائي مواز للنص الأصلي، فلا تشعر مع النص بغربة أو جحود للعوامل التي أنتجته.

 

كيف ومتى بدأت ترجماتك؟ 

 

الشعر جزء من بنيتي النفسية، ولقد سجلت ذلك في كتاب أقوم بإعداده عن سيرتي مع البيت الكبير بالقرية، التي أنتمي إليها روحيا والتي شكلت مشاهداتي وربما جزء من معارفي الفطرية، وبدأ الشعر يلتفت إلي مع راعي الحديقة السبعيني “أحمد أبو علي” في بيت جدتي الذي سمعته وأنا في السابعة من عمري وهو يرتجل الشعر في كل المواقف الحياتية وفي عبارات مموسقة تدخلني في حال لم أفهمه وقتها، وكنت أتعجب لماذا يتحدث بلغة مختلفة عن كل أهل البيت والعاملين فيه، واعتقدت حينها أنها لغة خاصة لرعاة الحدائق والبساتين.

 

ومن هذا السياق الجمالي الطبيعي بدأت رحلتي المعرفية ومحبتي للفنون وللألوان وللعزلة أيضا بين جدران مكتبتي، فأسعد الأيام تلك التي يكون لدي كتابا جديدا يضاف إلى رحلتي من أجل الفهم فهو وحده الذي يحقق لي السعادة، ويكفي أن أذكر أنه لم يمر يوما خلال الأربعة عقود الماضية دون قراءة وتأمل وتأويل ومحاورة معرفية وجمالية أو جدل فلسفي، هذه الأحوال، في الحقيقة، ساعدتني كثيرا في عملية الترجمة وفي تذوق النص وفي دعم حسي اللغوي أيضا، ولن أنسى أن أذكر أنني أثناء عملية الترجمة أعيش أحوال القصيدة كاملة، فلا أكون أنا أنا، فأنا الذات الشاعرة وربما الشاعر نفسه، أبكي إذا بكى، وينتفض قلبي مع انفراجة حاله، وأشعر بالوحشة مع نهاية رحلته مع قصيدته، وإن لم استدعي حال التوحد ذلك أثناء الترجمة فينتابني الشك وربما أترك النص ليوم آخر حتى يستدعيني إليه.

 

ما أبرز الترجمات التي قدمتيها للشعراء العرب؟

 

خلال الأعوام القليلة الماضية صدر لي عدد من الترجمات الأدبية لحوالي مئة شاعر وأديب من أنحاء الوطن العربي، من مصر والمغرب والجزائر وتونس وليبيا واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، وهي الرسالة التي أعتبرها الأهم بجانب عملي الأكاديمي خلال الأعوام القادمة، وجاءت عناوين الإصدارات التي نشرت في مجلة “لايف إنكونترز” للشعر والكتابة العالمية كالتالي: الشعر العربي مترجمًا، أصوات الشعراء العرب، صورة غزة في الشعر العربي، الشاعرات العربيات، هذا بالإضافة إلى الترجمات الفردية واعتبارها ضيف التحرير وتكليفها من قبل المجلة الدولية بكنابة المقال الإفتتاحي للإصدارات، كما تعمل الأن على التواصل مع دور نشر دولية لنشر الأدب العربي.

 

لماذا اتجهت لترجمة الشعر دون غيره من الأجناس الأدبية؟

 

اهتمامي بترجمة الشعر العربي إلى الإنجليزية فهو لإيماني بأن لدينا تاريخ شعري يستحق أن يحظى باهتمام يتناسب مع فرادته وأن يكون على خريطة الإبداع العالمي، فنحن أمة الشعر، وكان الشعر الجنس الأدبي الوحيد والأقرب إلى الشخصية العربية العاشقة للحياة وللبداوة والموسيقى وللمعاني الثقال، ونحن أصحاب أول سوق للشعر، سوق عكاظ، الذي يطلقون عليه مهرجان شعري في عصرنا الحديث وحظي الشعراء خلال تاريخنا باحترام وتكريم من الملوك والحكام والساسة لمحورية الدور الذي يقومون به إعلاميا وثقافيا وإنسانيا والتاريخ عامر بالنماذج والأمثلة، ولقد حرصنا خلال القرن الماضي على ترجمة الخبرات الشعرية الغربية إلى ساحتنا الشعرية والثقافية وخاصة شعراء الحداثة وما بعدها، ولا أستطيع أن أتجاهل دور هذا في إثراء مدارسنا الشعرية فلقد استفدنا كثيرا مما ورد إلينا خاصة في الشعر الحر وقصيدة النثر، وحان الوقت إلى أن تتسع ساحاتهم لقراءة منجزنا الشعري الذي لا يقل في جودته المعرفية والإنسانية والفنية عن العالمي والذي يحمل خصوصيتنا الثقافية ويعبر عنها، وأيضا لضعف التوجه إلى هذه الترجمة العكسية فنسبة ما تم ترجمته من العربية إلى اللغات الأخرى ربما لا يمثل نسبة نفخر بذكرها، وكثير مما تم ترجمته لم يتم بالجودة المطلوبة، ولذا كان التوجه إلى ترجمة الشعر والعمل الجاد لنشره لأرباب الثقافات الأخرى.

 

لماذا اللغة الإنجليزية؟

 

أما عن لماذا اللغة الإنجليزية بالذات لأنها اللغة التي أجيدها والتي حصلت فيها على درجة الدكتوراه ودرستها في جامعة عين شمس العريقة وجامعة كاليفورنيا في سان برناردينو- أمريكا وما زلت في رحابها أبحث وأعلم أجيال كثيرة.

 

ما التحديات التي تواجهك في ترجمة الشعر العربي إلى الإنجليزية؟

 

التحدي الأول في الترجمة الأدبية من الناحية الفنية هي اختيار النصوص، في الحقيقة ليست كل النصوص الشعرية، كما أعتقد، صالحة لتقديمها للآخر، والحكم على صلاحية النص للترجمة يعتمد على أمور كثيرة جدا، أقررها بعد دراسة متعمقة ومعايشة للنص من حيث بنيته اللغوية والمعرفية ووحدة الفكرة التي يحملها النص، فالنص كائن حي ينبض بالحياة ولا بد من أن تكون بنيته متماسكة.

 

التحدي الثاني هو في البحث عن ناشر دولي يؤمن بالترجمة وبالثقافة العربية وأهميتها، وبعد تجارب متعددة في الترجمة والنشر خلال الأعوام القليلة الماضية استطعت أن أخلق مساحة وألفت الأنظار إلى الشعر العربي بل هم من يطلبون الآن الاستمرار في تقديم الشعر العربي مترجما وهناك حرص كبير على قراءة هذه الترجمات والإشادة بها، وبلغت الثقة في أن يعرض الشعراء في إنجلترا وأيرلندا وأمريكا نصوصهم لترجمتها إلى العربية وعرضها على الشعوب العربية، وهذا أيضا اعتبره إنجازا في صالحنا.

 

ماذا يمكن أن يستفيد الناس من قراءة الشعر والأدب العربي المترجم؟ وهل الأجانب مهتمون بالشعر العربي أكثر من العرب أنفسهم؟

 

نحن ننتمي إلى حضارة إنسانية واحدة وثقافات متعددة، ولسنا في عزلة معرفية وثقافية، ولا نكتب لأنفسنا فقط بل نخاطب في نصوصنا إنسان هذا العالم، والشعر صوته في محنته وسعادته وصرخته وطموحه وحتى في خيباته، ولذا لا بد من أن نقرأ بعضنا البعض وخاصة في هذه المرحلة من مراحل إعادة الخريطة العالمية جيوسياسيا ومعرفيا أيضا، لابد وأن نكون حاضرون وبقوة على كل الأصعدة، كل فيما يعرف ويجيد.

 

وأرى اهتماما عالميا بالاطلاع وقراءة الشعر العربي المترجم وزيادة واضحة في الدراسات المقارنة حول العالم وفي كل اللغات، وخاصة في التراجم الجيدة التي تقدم نصا شعريا موازيا وليست ترجمة حرفية جامدة خالية من موسيقى النص الداخلية والخارجية بالإضافة إلى الكفاءة اللغوية.

 

 

ما العمل الذي تشعرين بالفخر به أكثر في مجال ترجمة الشعر العربي؟

 

أعتز كثيرا بترجمة الكتاب الشعري للشاعر المصري الكبير أحمد الشهاوي الذي صدر 2019 عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان "ما أنا فيه" فهي تجربتي الأولى في ترجمة كتاب شعري كامل، ونشر حديثا في دار نشر أمريكية كبرى بولاية أريزونا، ولهذا الكتاب خصوصية لا تغفل على متذوق للشعر، فهو رحلة جوانية في اللا وعي الإنساني، تأخذك فيها الذات الشاعرة إلى عوالم متعددة فيها القرية القديمة كالبيت العتيق، وفيها الأسطورة والسحر والرحلة وشجرة دم الأخوين وفيها سيرة الشاعر الذاتية ومخاوفه وعشقه وفقده وقديسته الأم “نوال عيسى”، وهو الديوان الذي أتممته في عزلة كاملة على بحر المتوسط لمدة شهرين، وأعتز بهذا العمل لأنه لداعمي الأول منذ بداية الرحلة صديقي الأستاذ أحمد الشهاوي، وهو يمثل نقلة مهمة جدا في مسيرتي الترجمية والمعرفية أيضا، وأعتز أيضا بالإصدارين الذي يحمل الأول عنوان "الشعر العربي مترجما" والثاني "أصوات الشعراء العرب" وكنت ضيف التحرير وكتبت المقدمة الإفتتاحية لهما وبلغ عدد الشعراء في الثلاث إصدارات الأخيرة ما يقرب من 70 شاعرا لكل منهم ثلاث قصائد وربما زيادة.

 

هل الشاعر العربي مظلوما وسط الأحداث والحروب الدامية المحيطة بالمنطقة؟ 

 

الشاعر الحقيقي والشعر الجيد يفرض نفسه في كل الأحوال والأزمنة وحتى في الحروب والأزمات، وهل خلت حقبة زمنية منها، وشعر الحرب جنس أدبي موجود في العصور القديمة والحديثة ولعب دورا كبيرا في التنديد بالحرب وأهوالها منذ هومر وحرب البسوس إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية، الشعر لم يتوقف على الأرض منذ أول أغنية غنتها حواء لأول أطفالها- قابيل- إلى الآن، ولن ينجو الشعراء من أي مأزق كوني مهما بلغت غلظته إلا بالشعر والكتابة.

 

ما هي أهم النصائح التي يمكنك تقديمها للباحثين والمترجمين الذين يرغبون في ترجمة الشعر العربي إلى الإنجليزية؟

 

ترجمة الشعر ليست عملا روتينيا عاديا وسهلا ولكنها عملية بحثية وذوقية تحتاج إلى خبرة لغوية ومعرفية وذائقة شعرية متفوقة، وهي مسؤولية كبيرة ولا بد من أن تستدعي فيها كل ملكاتك حتى توصلها بأمانة إلى مستقبلها، وهي عمل إبداعي لا يقل أهمية عن النص الأصلي، فالمترجم يقدم نصا موازيا في معانيه وموسيقاه وبنيته، ويحتاج المترجم قبل أن يبدأ في نرجمه القصيدة أن يتعرف جيدا على البرنامج الإبداعي للشاعر قبل أن يقتحمه ويعيش فيه أثناء الترجمة، والترجمة بالنسبة لي هي مشروع ثقافي وطني أحمل فيه بكل محبة وتفان وطني العربي إلى الأوطان الأخرى.

 

ما هي مشاريعك المستقبلية في مجال ترجمة الشعر العربي وكذلك النقد والأدب؟ وما رؤيتك للمستقبل لترجمة الشعر العربي إلى اللغات الأخرى؟

 

ترجمة الشعر العربي وغيره من الأجناس الأدبية الأخرى أصبحت جزء أساسي من روتيني الحياتي مع عملي الأكاديمي، والحلم أن أستمر خلال الأعوام القادمة في ترجمة ونشر كل الأعمال الجيدة للمبدعين في أرجاء الوطن العربي، أما عن النقد الأدبي فهو أحد اهتماماتي التي أحب الكتابة فيه كثيرا.

المستقبل، كما أراه من الآن، سيشهد نهضة ترجمية ستنقل الشعر العربي إلى آفاق أكثر رحابة وإلى ثقافات تنتظر الجديد دائما، المهم أن يكون هناك مؤمنون بهذه القضية.

 

ما رأيك في دور المؤسسات الحكومية والخاصة في دعم ترجمة الشعر العربي إلى اللغات الأخرى؟

 

لا أعتقد أن هناك دعم مؤسسي كبير في المؤسسات الحكومية والخاصة لترجمة الشعر العربي يليق بالإنتاج الشعري وبالقامات الشعرية العربية، ربما الاهتمام الأكبر هو لترجمة الرواية، ودائما لدي نظرة مستقبلية عامرة بالأمل بأن القادم سيكون أفضل وستفتح بوابات للنشر الدولي وبكل اللغات فالترجمة هي جزء أساسي في أمننا القومي والعالمي.