رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النكبة: مايو 48 «1-2»

حلت بنا قبل يومين ذكرى حرب ١٩٤٨ وإعلان قيام إسرائيل، هذا الحدث الفاصل فى تاريخ منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وما زال هذا الحدث يطرح علينا، ربما حتى الآن، العديد من الأسئلة، بل الدروس والعبر، التى دعونى أقول إننا لم نستوعبها حتى الآن.

يأتى فى مقدمة ذلك الاسم أو العنوان الذى نُعرِّف به هذا الحدث الجلل فى تاريخنا المعاصر؛ إذ درجت الأدبيات التاريخية على وصف ذلك الحدث، وأقصد قيام إسرائيل وهزيمة ٤٨، بالنكبة، وأصبح هذا المصطلح عنوانًا للعديد من الكتابات التاريخية، بل الأدبية أيضًا. وبالقطع يقصد العرب بهذا المصطلح، النكبة، ليس فقط قيام إسرائيل، بل ضياع جزء كبير من فلسطين التاريخية، والأكثر من ذلك نكبة اللاجئين الفلسطينيين، هذه النكبة التى ما زال يعيشها الشعب الفلسطينى حتى الآن، لكنها من ناحية أخرى كانت نكبة للنظام السياسى العربى كما سنوضح بعد قليل.

وربما لا يعرف بعضنا أن المصطلح والاسم الذى أطلقته الأدبيات الإسرائيلية على هذا الحدث، إعلان قيام إسرائيل وحرب ٤٨، هو «حرب الاستقلال»! ولنا أن نعقد مقارنة بين المصطلحين: المصطلح العربى «النكبة»، والمصطلح الإسرائيلى «الاستقلال» لنعرف مسارات التاريخ بعد هذا الحدث، خاصة إذا أضفنا إلى مصطلح النكبة، وليد هزيمة ٤٨، مصطلح «النكسة» وليد هزيمة حرب ٦٧، هذه الحرب التى تحمل اسم «حرب الأيام الستة» فى الأدبيات الإسرائيلية، فى محاولة لتعظيم انتصار إسرائيل فى هذه الحرب على ثلاث دول عربية فى ستة أيام، وابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية. هكذا كانت مسارات التاريخ فى الصراع العربى الإسرائيلى. ربما لم يشذ عن ذلك سوى «العبور» وهو مصطلح عبقرى ودال على انتصار حرب أكتوبر ١٩٧٣، الذى يُعد بحق الانتصار العربى الوحيد طيلة القرن العشرين، ليس فقط فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى، بل فى كل الحروب التى خاضها العرب فى القرن العشرين.

السؤال الآخر الذى تطرحه علينا ذكرى النكبة هو: هل كنا حقًا نعرف عدونا جيدًا؟ هل كنا نعرف إسرائيل؟ أزعم أننا- العرب- دخلنا حرب ١٩٤٨ ولم نعرف ما هى إسرائيل. ولعل أهم ما يوضح ذلك هو المصطلح الغريب الذى أطلقناه على إسرائيل عندما دخلنا ضدها حرب ١٩٤٨، وأقصد بذلك مصطلح «العصابات الصهيونية»، هذا المصطلح الذى رُوِّج له بشدة فى الصحافة العربية آنذاك، كما نجده يتردد فى الأفلام العربية التى عالجت هذه الحرب، وما تلاها من أحداث. وخطورة هذا المصطلح والترويج له أنه أدى إلى التهوين من قدرات إسرائيل، ونرى ذلك فى بعض الأفلام العربية؛ حيث يردد أبطالها أننا قريبًا سنهزم العصابات الصهيونية، وسندخل تل أبيب خلال أيام، حيث كانت القدس لا تزال آنذاك- ١٩٤٨- عربية.

وأثبتت أحداث الحرب أن الجيوش العربية لم تكن تواجه «عصابات صهيونية مسلحة» وإنما كانت تواجه جيشًا نظاميًا على أعلى مستوى من التسليح والتدريب. غاب عن العرب جميعًا آنذاك أن معظم ضباط وجنود جيش إسرائيل تم تدريبهم أثناء الحرب العالمية الثانية ضمن جيوش الحلفاء، وأن إمدادات السلاح لم تنقطع عن إسرائيل حتى قبل إعلان قيام إسرائيل. لم يحارب العرب فى ١٩٤٨ عصابات صهيونية مسلحة، بل جيشًا نظاميًا تدرب على أحدث الأسلحة فى ترسانة الأسلحة الأوروبية والأمريكية. إن من المسكوت عنه فى أحداث حرب ١٩٤٨ أن هذه «العصابات الصهيونية» كان لديها سلاح طيران قوى وحديث؛ حيث استطاعت هذه الطائرات الإغارة على سماء القاهرة، بل التحليق فوق القصر الملكى- قصر عابدين- فى محاولة لتوجيه رسالة للملك فاروق بسحب الجيش المصرى من فلسطين. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل أغار الطيران الإسرائيلى على سوريا، وقصف دمشق أثناء حرب ١٩٤٨.

فى أثناء ذلك تم الزَّج بالجيوش العربية فى حرب- حرب ٤٨- لم تكن مستعدة لها فى ذلك الوقت. وهذا ما عبر عنه جمال عبدالناصر، الذى شارك فى حرب ٤٨، عندما قال أثناء الحصار فى الفالوجة: «لقد اكتشفنا أن عدونا فى القاهرة». وهو ما سنتعرض له فى المقال المقبل.