رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكتبات المثقفين 19

الناقد محمد عطية محمود: لم أتخلّ عن أول كتاب اشتريته (حوار)

محمد عطية محمود مع
محمد عطية محمود مع مكتبته

تعد المكتبة من أبرز ما تجده في منازل الكتاب والمثقفين، بل تكاد منازل بعضهم قد تحولت إلى مكتبات يعيشون فيها.

وحول مكتبات الكتاب، وكم فقدوا منها خلال تنقلاتهم وأسفارهم، وهل يعير الكاتب كتبه أو يستعيرها، وغيرها من المحاور يقدمها "الدستور" في سلسلة حوارات مكتبات المثقفين.

وفي الحلقة الـ 19 من حلقات هذه السلسلة من الحوارات يحدثنا الكاتب الناقد محمد عطية محمود، عن مكتبته وأول كتاب اقتناه، وما الكتاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، وأهم الكتب في مكتبته وغير ذلك؟

 

متى وكيف اكتشفت عالم الكتب والقراءة؟

 

العلاقة مع الكتاب علاقة أزلية تنبت معنا دون وعي مسبق أو تخطيط، أعتقد أنها مسألة حس وإلهام، وحدس لما هو في علم الغيب من رؤى تتشكل، وربما أفلحت في تكوين قاعدة معرفية وربما إبداعية، بالمعنى البسيط هي تفتح مدارك مدفوع برغبة دفينة منذ الصغر، وهذه العلاقة بدأت بشغف غير مبرر لكل ما هو بين دفتي كتاب، حتى ولو لم تكن مبادئ القراءة والحروف قد دخلت عالم الطفل المولع بالخيال والحكايات، وهو ما أؤكد على أنه هبة من الخالق يزرعها في الذات دون أن ندري، في الصغر الباكر كان يشدني هذا الكائن الملغز/ الكتاب بغض النظر عن اللغة المكتوب بها، كانت تكفي الصور الداخلية لتلقي لهبا من التوق إلى المعرفة والاختزان، ومحاولة فهم ما يدور حول تلك الصور من كلمات، حتى صار الأمر مع الوقت ضروريا ومحفزا بالولوج الباكر أيضا إلى مكتبة المدرسة والتعرف على مهارات الاطلاع على الكتاب وتلخيصه، ثم ولوج عالم من الكتب والأسماء والأفكار والغوص في بعض مراحل التاريخ التي ربما بدأت مع الكتاب المدرسي.. ثم نشطت مع الاستعارات المتعددة التي خلقت وعيا لم يدر بخلدي أنه سوف يقودني لأن أكون كاتبا، بل لأن أكون قارئا من الأساس.

 

متى اشتريت أول كتاب؟

 

في المرحلة الثانوية كان لقائي مع أول كتاب أقتنيه بالفعل، كان ديوان شعر صغيرا في حجمه عميق التأثير في تشبثي بما كنت أكتبه من خواطر تقترب من الشعر، كان الكتاب لشاعر ذائع الصيت، عشت مع إيقاعاته لحنا جميلا فجر بعض الصور الجميلة في مخيلتي وارتبطت بمعانيه الوجدانية التي وجدت فيها تعبيرا عن مشاعر تخصني ولم أكن أرتقي للتعبير عنها بتلك الصورة، ولم أتخل عن هذا الكتاب حتى الآن في مكتبتي التي لم أكن أحلم بأن تكون بمثل هذه المساحة من التنوع على المستويين المحلي والعالمي في يوم من الأيام، فضلا عن بعض الكتيبات الجميلة من سلسلة اقرأ وغيرها.

 

  ما أهم الكتب في مكتبتك؟

 

صعب أن نحدد ما هو أهم كتاب، أو أهم مجموعة كتب في المكتبة، ذلك أن كل مرحلة من المراحل التي مرت وتراكمت فيها خبرة الحفاظ على مكونات مكتبة، مرت بتطورات على مستوى الكم والكيف، فقد بدأت في ركن منها لا تحمله أرفف مكتبة بالمعنى، وقد كانت كتب سلسلة المسرح العالمي الشهرية في أواخر الثمانينيات وأول التسعينيات، هي ما تمثل الكم الأكبر من المقتنيات فضلا عن بعض الكتب المترجمة من الأدب الروسي بصفة عامة ولتشيكوف بصفة خاصة، لينتقل قوام المكتبة فيما بعد لكتب التراث والروايات والمجموعات القصصية التي دخلت مكتبتي متأخرة!، ثم مرحلة كتب التاريخ والعلوم والمعارف العامة، ثم الروايات المترجمة وروايات نجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس، ثم الانفتاح على شتى دروب المعرفة من فن وفلسفة وعلم نفس أعتقد أنها من مقومات الكاتب، بحكم العمل الثقافي الذي يفرض هذا التنوع ويوسع دائرة الاطلاع فالقراءة هنا أصبحت أمرا لازما لعمليتي الثقافة والإبداع من جهة ثم الاشتغال بالثقافة بروح تقترب من أنها تكون العمل الأكبر الذي يستحوذ على مساحات العمل سواء بالوظيفة أو بالاعتماد على الفعل الثقافي كعمل..

 

ما الكتاب الذي لا يمكنك الاتستغناء عنه؟

 

بنفس الآلية التي أشرت إليها فإن أمر الاستغناء عن الكتب أمر صعب جدا ولا يمكن تحقيقه إلا إذا كان الكتاب أو المرجع غير جدير بالاحتفاظ به أو لا يضيف أو لا يؤثر وجوده، وعدم الاحتياج إليه، إلا أن المبدأ الذي أؤمن به يصعب علي فكرة التخلي عن أي كتاب مهما كان إلا إذا كان من السوء أو انقطعت سبل الاستفادة المعرفية أو الجمالية أو عنصر المتعة والإضافة منه، ولعل وجود كتب سلسلة عالم المعرفة التي تصدر من الكويت حتى الآن كمنبع للتراث والحداثة وتأثير ما بعد الحداثة، أمر ضروري جدا في أي مكتبة لأنها تغطي الكثير من مناحي الثقافة والمعرفة والعلم سواء للقارئ الهاوي أو المتخصص أو المبدع أو الباحث. ربما كان كتاب "العصر الذهبي" للإسكندرية لجون مارلو، وبعض الأعمال الأدبية لبعض الأصدقاء المبدعين المقربين.

 

 

هل فكرت أن تستغنى عن مكتبتك أو كتبت وصية بشأنها؟

 

فكرة التخلي عن المكتبة غير واردة على الإطلاق، المكتبة كائن حي وركن من أركان المكان الذي أعيش فيه، أنا لا أستطيع المكوث إلا بجوارها حتى ولو لم أكن في حالة قراءة، وربما كانت نظراتي موجهة إليها دائما ربما يدور بيننا حديث، وأشير إلى مواضع بعض الكتب التي تبدو غاطسة بها، وترشدني إليها بنظراتها لي، وغالبا ما تتولد الرغبة في القراءة والبحث في موضوعات عدة، من خلال هذا السلوك الفطري الذي أتعامل به مع المكتبة..

 

وجود المكتبة بأي شكل حتى فيما سبق من فترات لم تكن فيها على الوجه الذي استقرت عليه الآن هو وجود ملهم، وكلما أحسست بوجودي بجوارها تدفقت إلى مشاعر قديمة بارتباطي بأماكن للمكتبة كنت أتمنى أن تكون هي بيتي كما كان لي بها ارتباط وجداني شديد في مرحلة التكوين الفكري والوجداني والمعرفي والنفسي على مستوى الارتباط، فقد كنت أمكث فيها أوقاتا لا أشعر بها، هما مكتبة قصر ثقافة الشاطبي القديم، وقصر ثقافة الحرية بالإسكندرية في أول العقد الأخير من القرن العشرين، وقد تحقق حلم أن تكون مكتبتي شبيهة أو قريبة التنوع من هذين النموذجين، أو هكذا أتشبع بفكرة حيازتي لمكتبة..

 

 

 كم مكتبة فقدت لظروف خارجة عن إرادتك؟

 

فقدت مكتبتي الصغيرة والمحدودة مرتين: مرة في صورة أكوام من الكتب كانت مخزنة لظروف الانتقال، ولم أدر كيف نسيتها في خضم مشاغل الحياة وصعابها إلا قليلا من الكتب التأسيسية التي مازالت موجودة معي حتى الآن وكانت تصاحبني في كل مكان، أو التي كنت قد دسستها في مواضع معينة، والمرة الثانية أيضا كانت مكتبة عامة ليس بها كتب أدبية، إلا أن إعادة تأسيس مكتبة كان هو المنقذ لهذه الفكرة العبقرية التي بدونها لا تستقيم أشياء كثيرة في حياة الكاتب القارئ المخلص لثقافته ومعرفته وتحقيقا لذاته.

 

ما الكتاب الذي تمنيت اقتناءه ولم تعثر عليه؟

 

من حسن الحظ ومن حسنات التكنولوجيا أن الكتب الرقمية وإعادة صياغة آلاف من الكتب الورقية القديمة والمراجع وكتب التراث والأعداد القديمة من الدوريات والمجلات الرائدة والتي لا تزال قيد الإصدار، والصيغ الجديدة للنشر قد اهتمت بهذا الأمر، وتغلبت على عائق عدم وجود فرصة للحصول على الكتاب، وإن كان في بعض الأحوال بتكلفة أكيد يستحقها هذا المنتج، فمن خلال الشبكة العنكبوتية استطعت الحصول على كم كبير من الكتب والمراجع النقدية والأعمال الإبداعية ما يكون مكتبة رقمية موازية من نسخ الـ"بي دي إف" والصيغ المختلفة للتعامل الجديد مع الكتاب، وإن كانت حميمية التعامل مع الكتاب الورقي الذي هو الأساس لا تزال هي المحرك الأكبر لعملية القراءة والاطلاع، وإن كان لا بد من ذلك بالمكتبات العامة الكبيرة لا تزال موجودة، وإن ببعض البحث.

 

هل تشترى كتبا ولا تقرأها لظروف ضيق الوقت أو غيرها؟

 

يحدث كثيرا أن أقتني كتبا ولا أقرأها لأسباب متعددة، وربما كان ذلك أمرا أساسيا لدى أغلب الكتاب، بالنسبة لي قد أحتاج الكتاب أو المرجع في جزئية خاصة، ولكنى لا أنفي احتياجي له والعودة إليه مرات، وهو ما يجعل أمر تحديد ميزانية لشراء الكتب ليس أساسيا فالاحتياج للكتب لا يرتبط بمعدل واحد أو يأخذ شكل الترتيب والتزويد، ربما يكون الانتقاء هو المتحكم في مسألة اقتناء الكتب، فربما مرت مناسبات كثيرة دون الحاجة لشراء كتب جديدة إلا في حدود استثنائية..

 

هل تعير كتبك لأحد وهل تستعيدها أم لا ترد إليك، وهل تستعير كتبا من الأصدقاء وهل تعيدها؟

 

مسألة إعارة الكتب أو استعارتها، وهي كانت بديلا للشراء والاقتناء فيما سبق نظرا لأسباب كثيرة منها التكلفة، الآن أصبحت لا تشغل بال الكثيرين وأنا منهم، نظرا لتوافر البدائل الرقمية كما قلت، وهو مما يجعل هناك شبه اكتفاء ذاتي من مصادر الاطلاع على الكتاب، كما أن مسألة تحويل الكتب إلى صيغة (بي دي إف) أو تصويرها، وفرص تواجدها وتداولها قد قلصت كثيرا من فرص الإعارة والاستعارة، بحيث أصبح الكتاب فضاء مفتوحا كما غيره من وسائل المعرفة والتثقيف. ومن اليسير جدا أن يكون لدى الجميع مكبة رقمية تحوي الكثير من الكتب.