رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البادئون Starters

فى المستقبل البعيد، بعد الخراب الذى خلّفته الحرب البيولوجية التى قضت على مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، تفكر "كالي" فى حالها وأخيها الطفل الصغير "تيلير" بعد أن راح والداهما ضحايا تلك الحرب البشعة، لسبب ما قضت الحرب البيولوجية على الكهول من سن العشرين إلى الستين وتركت الأطفال والعجائز يتمتعون بحماية التطعيمات الوقائية عديمة المفعول مع متوسطي الأعمار، تركت الحرب وراءها حفنة من العجائز الذين قاربت أعمارهم المائتي عام، وأطفالا صغارا فى حيرة من أمرهم، يبحثون عن تدبر حياتهم واحتياجاتهم. فى الصفحات الأولى من الكتاب تقرر "كالي" أن تؤجر جسدها لتحصل على الأموال التى تساعد بها نفسها وأخاها المريض لاستمرار العيش، ولكن ما يجعلك تنجذب لقراءة ما بعد قرارها وبمنتهى الشغف هو كيف ستعيش "كالي" حياة شخص آخر؟، كيف ستوافقه على رغباته وما يتوق إليه من ممارسة رياضات خطرة ما عاد يستطيع جسده العجوز القيام بها فقام بتأجير جسدها ليتمكن من ممارسة ما لا يقدر على ممارسته بجسده الخاص. فتذهب "كالي" لتلك المؤسسة وتتعاقد على الإيجار، تؤجر جسدها مرتين، وتحصل على المقابل الذى تبتاع به منزلا، ولكن لم يزل أخوها مريضا رغم العلاج، فتقدم على عملية الإيجار تلك مرة ثالثة، ولكنها تفاجأ بأن المستأجر هذه المرة سيدة عجوز تريد استخدام جسد "كالي" لتنفيذ عملية خطيرة، وليس للمتعة أو ممارسة الرياضة فقط، بل لتدمير المؤسسة العلمية ذاتها. تحملنا الصفحات لمشاهدة أرجاء المؤسسة التى تحمل اسم "الجهة الرئيسية" أو "المصير الرئيسي"، والتى تقوم بعملية نقل الأجساد هذه، وطريقة العمل وحياة العاملين عليها، وهذا العجوز المتحكم بكل شىء فى المؤسسة، والذى لم ير أحد وجهه على الإطلاق طوال أحداث الرواية. 
كنت أتمنى أن توضح أحداث رواية "البادئون"، لليزا برايس، ما آلت إليه الحضارة الأمريكية أو اللا حضارة بعد إبادة كل شىء من على أرضها، ولكن قوة الإحساس وعمق الصدق الذى تحاول به "كالي" جاهدة فعل أى شيء فى سبيل النجاة بأخيها هو ما تستطيع رؤية تلك الأحداث من خلاله، تنقلها بين الأماكن، مقابلاتها لشخصيات فرعية والحوارات الجارية بينهم، كل هذا كافٍ بأن تتعرف على كيف وصلت له الحياة بعد الحرب البيولوجية.
ليس هناك قصة حب تجرى على الهامش إلا مشاعر "بلاك" و"مايكل"، الشابين اللذين يقومان بمساعدة "كالي" ويتنافسان على حبها، وغير ذلك لا تجد إلا مشاعرها تجاه أخيها أو مشاعر كراهيتها تجاه العجائز الباردين الجوعى لأجساد الشباب، الذين يشبهون مصاصي الدماء، ولكن تسيطر على الرواية الشيقة أحاسيس متضاربة من الاستسلام للقوة العليا التى تتحكم بالصغار، والمتمثلة فى قوة العجائز، والكثير من التحدي والسعي وراء أموال كافية لإنقاذ الأخ الصغير، كتبت ليزا برايس نصا محكم الحبكة يصلح لأن يكون عملا سينمائيا مثيرا يجمع بين التشويق والتأمل بلا ملل، بل تنتظر الأحداث وتسابق السطور والمشاهد لتستطيع أن تزفر أنفاسك الحبيسة، لكن لن تفعل لأنك ستنتظر الجزء الثاني من الأحداث فى رواية "المنتهون". 
هامش: ليزا برايس.. روائية أمريكية حازت على عدة جوائز، أهمها جائزة الأعلى مبيعًا فى ثلاثين دولة بالعالم ولمدة عامين.