رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معارك صادق شرشر وقصيدة نثر العامية

صادق شرشر، شاعر عامية معروف، ظهر اسمه واضحًا في بداية تسعينيات القرن الماضي، صاحب ديوان مرجعي في قصيدة العامية الجديدة التي ترسخت الآن وتبلور تصنيفها بوضوح كقصيدة تنتصر إلى نثر العامية، بعيدة عن الإيقاع الرتيب أو القافية المصطنعة.

قصيدة شقت طريقها عبر سنوات من التجريب والألم والنكران حتى أصبحت الآن ملء السمع والبصر ولها رموز من الشعراء الذين لا تتعامى عنهم العين الراصدة لخريطة الشعر في مصر.

المهم هو أن الشاعر صادق شرشر قرر منذ حوالي شهر من الآن أن يكتب عدة منشورات على الفيسبوك عن المسكوت عنه حول قصيدة نثر العامية، المنشورات لاقت تفاعلًا محدودًا، ولكنها عميقة الأثر ولها القدرة على تحريك الماء الراكد في موضوع قصيدة نثر العامية، ربما يتلقف ما بدأه شرشر نقاد قدموا ضميرهم الإبداعي على انحيازهم لمجموعة أو شلة ولا ينتهجون المصادرة بالانحياز لنوع محدد من الكتابة بالعامية، هؤلاء النقاد الذين ابحث عنهم، هم كثر ولكن ربما لم يساعدهم الوقت أو لم يجدوا لذلك النوع من الأبحاث ضرورة في هذه اللحظة.

ربما دارت في السنوات الأخيرة همسات جانبية على هامش الندوات والمؤتمرات عن السياق الزمني الذي ولدت فيه هذه القصيدة، وعن أهم الأسماء التي غامرت بمستقبلها الإبداعي بهدف التأسيس لذلك النص، راحت الأسماء وجاءت والمؤكد هو أن لكل منهم إسهامًا ما في بلورة قصيدة نثر العامية، وحتى لا نتوه في الأسماء ويتحول المقال إلى تلاسن غير مرغوب فيه، سوف نكتفي بالإشارات التي قد تؤدي بنا إلى اقتراب من الحقائق التاريخية.

صادق شرشر يذهب مباشرة إلى دائرة مغلقة كان هو واحدًا منهم ويجتهد لإثبات السبق الزمني لتلك الدائرة في تأسيس قصيدة نثر العامية، وبالرغم من عدم تقديمه نصوصًا تدعم موقفه، إلا أن المبادرة من شرشر بالبحث والسؤال والإجابة  في حد ذاتها قادرة على حث آخرين لتقديم ما لديهم حتى يمكن وضع النقاط على الحروف في هذا الموضوع.
بوضوح يحدد شرشر الفارق بين السبق الزمني في كتابة هذا النوع والجودة والتفرد في كتابة هذا النوع، وفي هذا يقول إنه من الممكن وجود شاعر أو أكثر التحقوا بقصيدة النثر وجاء إنجازهم في النص أعلى بمراحل من سابقيهم، وهذه موضوعية ولكنها خارج سؤال البحث عن التأسيس، لأن طبيعة الأمور هي وجود تفوق تراكمي ينشأ مع مرور الزمن مرجعه الاستفادة من التجارب السابقة وهضمها، وعلى ذلك يبقى السؤال ما زال قائمًا حول التأسيس دون أن يجد الإجابة الوافية لا من صادق شرشر ولا من غيره من البحاثة والمهتمين.
انحاز شرشر في الإجابة عن سؤال التأسيس إلى تلك الدائرة، ولذلك نجد أنه من المهم أن  نشير إلى انغلاق تلك الدائرة على صالون محدد أو لقاء محدد كان ينظمه الشاعر أحمد طه في بيته، صحيح أن عددًا من مرتادي ذلك اللقاء قد تمردوا فيما بعد على طه، ولكن تبقى خريطة الكتابة أوسع سواء في نقاط ارتكاز مختلفة بالقاهرة وهنا مضطر لذكر أسماء بعينها، مثلًا سوف نجد أسماء مثل مجدي الجابري ومسعود شومان ويسري حسان والحلواني وصادق شرشر نفسه وطارق هاشم وعادل الحراني وعشرات الأسماء المقيمة بالقاهرة قد أضافت مداميك  بشكل أو بآخر في بناء قصيدة نثر العامية، وعلى جانب آخر نجد في عواصم المحافظات أسماء ملهمة في تلك النوعية من الكتابة يتقدمهم مدحت منير في الإسماعيلية وشهادتي عنه مجروحة، ولكنني وعلى ذات المنهج الزمني الذي اعتمده شرشر سوف أشير إلى اسم لمع مثل الشهاب في ذات المحافظة وانطفأ بموته وهو الشاعر محمد يوسف الذي قدم قبل الجميع وفي بداية الثمانينيات - أكرر بداية الثمانينيات - ديوانًا رائدًا في هذا النوع من الكتابة باسم "جايز نونس بعضنا"، ذلك الديوان المؤثر نجح في تغيير بوصلة الكثيرين من ناحية شكل الكتابة، وقد نجد منه نسخة لدى مسعود شومان.
وحتى لا أسترسل في تجارب المحافظات لأنني أعرف أن الإسكندرية شهدت طفرة  مماثلة وكذلك السويس (حاتم مرعي نموذجًا) وتحتاج كل منهما - كما الإسماعيلية - إلى أكثر من راصد لتجاربهم في شعر العامية كمًا وكيفًا.
نعود إلى مكاشفات صادق التي أصدقها بالفعل، وقد انتقل بالحوار من العامية التي هو أحد فرسانها إلى محنة الجوائز في مصر ليكتب عن تجربته عندما تقدم لنيل جائزة الدولة التشجيعية ولكنها غادرته أو غدرت به لأسباب لا علاقة لها بالشعر، لم يسكت صادق عند هذا الحد ولكنه وكأنه في جلسة اعتراف يتجه نحو فضائح السفريات ومهرجانات الشعر وما يصاحبها من فضائح سواء كانت مالية أو فنية.
جاءت أكثر التفاعلات تجاوبًا وربما تأكيدًا على ما يطرحه شرشر من الشاعرة علية عبدالسلام وهي صاحبة تجربة مميزة منذ بداية التسعينيات، ولكن تم تغييبها لا نعرف إن كانت هي سببًا في هذا الغياب أم تم بأيدي آخرين.
المهم في منشورات الشاعر صادق شرشر هو البناء عليها وليس التجاوب المطلق معها ولا تجاهلها، وهنا يتلقف الخيط الشاعر أشرف أبوجليل والمعروف عن ذاكرته أنها فولاذية ليرحب بالحجر الذي ألقاه صادق في ماء حركة الشعر وننتظر الاستفادة من ذاكرة أبوجليل المدعومة بالبراهين لرصد جزء من تاريخ أجيال وقعت بين المطرقة والسندان.
أعرف كتابة أجزاء من التاريخ مرهقة على المبدع وقد أوضح لي ذلك الشاعر مسعود شومان الذي يعاني من عدة أدوار معقدة هو مطالب بها، ولكننا ننتظره أيضًا في هذا السجال، لأنه لا مفر من الكتابة والرصد والتحليل وتقديم العقل على العاطفة والمنتج الإبداعي على الشلة أو الأصدقاء.