رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الهدهد" ودخول إسرائيل لبنان وموقف مصر

 

ظلت قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ثابتة منذ عام 2006 وحتى السابع من أكتوبر الماضي، لكن "طوفان الأقصى" وما تلاها من حرب الإبادة دفعت كفيل حزب الله -إيران- أن تحرك أنصار الله الحوثي في اليمن ضد إسرائيل وداعميها في باب المندب، وتأخرت كثيرًا التحركات في الشمال لدى جبهة لبنان، وذلك في إطار قواعد الاشتباك المتفق عليها بين الجانبين، حتى نشر حزب الله مقطع فيديو به لقطات صورتها طائرة مراقبة تابعة لها لمواقع في إسرائيل منها موانئ بحرية ومطارات لمدينة حيفا، تحت عنوان "هذا ما عاد به الهدهد".

قرع طبول الحرب التي لا يريدها أحد إلا نتنياهو.. وخلال الـ 48 ساعة الماضية فقط، نشر الفيديو الذي تتجاوز مدته 9 دقائق وبه صور عالية الدقة لميناء حيفا بالكامل ومستوطنة الكريوت وما تحتويه من منشآت عسكرية حساسة وضخمة. ثم يعلن الجيش الإسرائيلي سريعا الموافقة على الخطط العملياتية للهجوم على لبنان، مع إعطاء تعليمات باستمرار الاستعداد للحرب. كل ذلك أثناء زيارة المبعوث الأمريكي، عاموس هوكستاين، الذي حذر إسرائيل من احتمال أن تؤدي الحرب مع حزب الله إلى هجوم إيراني واسع يصعب صده.

تسارع وتيرة الانزلاق لحرب إقليمية أخرى لا يصب في مصلحة أي شخص سوى نتنياهو، الذي يطمح بتوسيع الحرب وإطالة أمدها، لا سيما بعد فشله في تحقيق أهداف حربه في غزة. فهو يريد حالة حرب أخرى يفرض فيها في جنوب لبنان منطقة منزوعة السلاح وحزام أمني ومنطقة محروقة تضم 50 قرية جنوبية في لبنان تخدم مصالح إسرائيل بشكل لم تتخيل فعله منذ عام 2006، ولذلك يبقى احتمال انزلاق الأمور لحرب واسعة قائمًا.

بالطبع قد يخفف توسيع جبهة الحرب في لبنان الضغط على غزة، وقد تنتقل تدريجيًا لتصبح بشكل كامل في لبنان، الذي لن تتواني إسرائيل عن خرق / إعادة النظر في القرار 1701 لمجلس الأمن الذي ينظم ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل منذ 2006. وربما تخرق تنفيذ القرار بالكامل دون أية احترام لقواعد القانون الدولي الذي تنتهكه منذ 7 أكتوبر2023، بل ومنذ بداية وجودها كدولة.

النبأ اليقين.. حرب لبنان ستؤثر على الأمن القومي المصري.. حذرت مصر من بداية الحرب في غزة من أن التصرفات الإسرائيلية ستجلب حربًا إقليمية، وهو ما يحدث الآن بالفعل. ورغم أن مصر لا تمتلك حدودًا مباشرة مع لبنان، إلا أن أي حربٍ إقليمية ستؤثر بالضرورة على الأمن القومي المصري في أشكاله المتعددة، التي لا تقتصر فحسب على العنصر الأمني من منظوره العسكري، لكن أيضا التأثير على الاقتصاد، وهو ما ظهر جليًا في تراجع نصف إيرادات قناة السويس بسبب نشاط الحوثيين في باب المندب. وفي اعتقادنا أن الحرب في لبنان ستضاعف من نشاط الحوثيين وتستدعي مزيدا من التعاون بين أذرع إيران "أنصار الله وحزب الله"، وهو ما سيضغط على بشكل أو بآخر على مصر وأمنها.

بالإضافة لتوقعات بتفاقم مشاكل التبادل المصري الإسرائيلي في ملف الغاز، وقد يضغط ذلك على أسعار المحروقات وبالتبعية الكهرباء والأسعار بشكل عام في الداخل المصري. وكذلك فإن هناك تأثيرات محتملة تتعلق بملف الغاز في شرق المتوسط نتيجة الحرب في هذا الإقليم المضطرب. وهذا هو "النبأ اليقين" الذي لم يصرح به "الهدهد"، لكنه يهدد مصر بالطبع.

خطوات مصرية ضرورية يجب التحضير لها.. لن تتدخل مصر في حرب لبنان مباشرة بكل تأكيد، لكن هناك عدد من الخطوات التي قد تعزز دورها كقوة إقليمية. أولها؛ إمكانية استضافة مصر مؤتمرًا دوليًا أسوة بمؤتمرات غزة والسودان، للاتفاق فيه على العودة لطاولة الحوار والتفاوض مرة أخرى، ويجب أن تدعى إليه كافة الأطراف بما فيها إيران وإسرائيل حتى ولو بتمثيل دبلوماسي منخفض لكل منهما، وذلك للاتفاق على تهيئة الأجواء لتطبيق القرار 1701 لمنع الانجرار لحرب لا يريدها الجميع.

ثانيا؛ إذا لم تنجح مساعي استضافة هذا المؤتمر، فمن الممكن أن تتفاهم مصر مع إيران بشكل غير مباشر وغير معلن، وذلك من خلال الوسيط القطري أو العماني أو حتى الصيني أو الروسي. وسيساعد في ذلك بعض القنوات التي بدأت تفتح في الآونة الأخيرة من لقاءات سريعة بين مصر وإيران، وقد تكون بداية انطلاق لتعزيز العلاقات بشكل أوسع. بل وسيدعم الوجود الروسي أو الصيني في المشاورات سرعة اتخاذ قرارات من الغرب بقيادة واشنطن لإنهاء تلك الحرب قبل تحولها لحرب بالوكالة مرة أخرى مثل الحالة السورية.

ثالثا؛ يجب الضغط من المجموعة العربية في الأمم المتحدة التي تقودها مصر، للدعوة لوقف أزيز الحرب المحتملة قبل توسعها لحرب إقليمية، والتمسك بتنفيذ القرار 1701. والتنسيق مع الجزائر باعتبارها عضو مجلس الأمن غير الدائم لعقد جلسة طارئة حول الوضع لمراقبة تنفيذ قرار المجلس، والمطالبة بتعزيز آلية متكاملة لتطبيقه تحت إشراف قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل).. حفظ الله مصر