رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين 2023

بابا الفاتيكان
بابا الفاتيكان

ظهر اليوم رسالة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان بمناسبة اليوم العالمي التاسع بعد المائة للمهاجرين واللاجئين، تحت عنوان «أحرارٌ في أن نختار بين الهجرة أو البقاء».

وقال البابا فرنسيس خلال كلمته: إنَّ تدفّق الهجرة اليوم هو تعبير عن ظاهرة معقّدة ومُفصَّلة، يتطلّب فهمها تحليلًا دقيقًا لجميع الجوانب التي تميّز مختلف مراحل خبرة الهجرة، منذ لحظة المغادرة إلى الوصول، بما في ذلك العودة المحتملة. بهدف المساهمة في هذا الجهد لقراءة الواقع، قرّرت أن أُكرِّس الرّسالة لليوم العالمي التاسع بعد المائة للمهاجرين واللاجئين للحرّيّة التي يجب أن تميّز دائمًا خيار أن يترك المرء أرضه.

تابع البابا فرنسيس يقول "أحرارٌ للمغادرة، وأحرارٌ للبقاء"، هذا هو عنوان مبادرة التّضامن التي نظّمها لبضع سنوات خلت مجلس أساقفة إيطاليا كجواب ملموس على تحديّات الهجرة المعاصرة. ومن خلال إصغائي المستمرّ إلى الكنائس الخاصّة، تمكّنت من أن أبيِّن أنّ ضمان هذه الحرّيّة يشكّل قلقًا راعويًّا منتشرًا ومشتركًا. "تَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِيوسُفَ في الحُلمِ وقالَ له: قُم فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه واهرُبْ إِلى مِصْر وأَقِمْ هُناكَ حَتَّى أُعْلِمَك، لأَنَّ هيرودُسَ سَيَبْحَثُ عنِ الطِّفلِ لِيُهلِكَه". لم يكن هرب العائلة المقدّسة إلى مصر نتيجة خيار حرّ، كما لم تكن كذلك أيضًا العديد من الهجرات التي طبعت تاريخ شعب إسرائيل. على الهجرة أن تكون دائمًا خيارًا حرًّا، لكنّها في الواقع في كثير من الحالات، واليوم أيضًا ليست كذلك. صّراعات، كوارث طبيعيّة أو ببساطة استحالة عيش حياة كريمة ومزدهرة في الوطن جميع هذه الأمور تجبر الملايين من الأشخاص على مغادرته. في عام ٢٠٠٣، أكّد القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني أنّ "بناء ظروف ملموسة للسّلام، فيما يتعلّق بالمهاجرين واللاجئين، يعني الالتزام بجدّيّة بالمحافظة أوّلًا على حقّهم في عدم الهجرة، والعيش في سلام وكرامة في وطنهم".

أضاف "وأَخَذوا ماشِيَتَهم ومُقْتَنَياتِهِم الَّتي اقتَنَوها في أَرضِ كَنْعان، وقَدِموا إِلى مِصْر، يَعْقوبُ وكُلُّ ذُرِّيَّتِه معَه". بسبب مجاعة شديدة، اضطُرَّ يعقوب وعائلته بأكملها إلى اللجوء إلى مصر، حيث ضمن لهم ابنه يوسف بقاءهم على قيد الحياة. اضطهادات وحروب وظّواهر مناخيّة وبؤس، جميع هذه الأمور هي من بين أكثر الأسباب المرئيّة للهجرة القسرية المعاصرة. يهرب المهاجرون بسبب الفقر والخوف واليأس. من أجل القضاء على هذه الأسباب، وبالتّالي لوضع حدّ للهجرة القسرية، من الأهميّة بمكان أن يلتزم الجميع، كلٌّ بحسب مسؤولياته. التزام يبدأ بسؤال أنفسنا حول ما يمكننا فعله وإنما أيضًا حول ما يجب علينا أن نتوقّف عن فعله. علينا أن نبذل قصارى جهدنا لكي نوقف سباق التّسلّح، والاستعمار الاقتصاديّ، ونهب موارد الآخرين، وتدمير بيتنا المشترك.

أضاف فرنسيس يقول "وفي سَنةِ اليوبيلِ هذه تَرجِعونَ كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه". كان الاحتفال باليوبيل يمثّل لشعب إسرائيل فعل عدالة جماعيّ: فكان يُسمح للجميع بالعودة إلى الحالة الأساسيّة مع محو كلّ دين وإرجاع الأرض وإمكانيّة التنعّم مجدّدًا بحريّة أعضاء شعب الله. وفيما نقترب من يوبيل سنة ٢٠٢٥، من الجيّد أن نتذكّر هذا الجانب من احتفالات اليوبيل. من الضروري أن يُصار إلى جُهد مُشترك من قِبَل البُلدان الأفراد والمجتمع الدّولي لكي نضمن للجميع الحقّ في عدم الهجرة، أيْ، إمكانيّة أن يعيشوا بسلام وكرامة في أرضهم. إنّه حقّ لم يلحَظه القانون بعد، لكنّه ذو أهميّة أساسيّة، ويجب أن يُفهَمَ كمسؤوليّة مُشتركة لجميع الدُّول تجاه خير عام يذهب أبعد من الحدود الوطنيّة. في الواقع، بما أنّ الموارد العالميّة ليست غير محدودة، فإنّ تنمية البُلدان الأكثر فقرًا على الصعيد الاقتصادي تعتمد على قُدرة المشاركة التي يمكن خَلقها بين جميع البُلدان. وإلى أن يتمَّ ضمان هذا الحقّ - وهي مسيرة طويلة – سيكون هناك أشخاصٌ كثيرون مُجبَرون على المغادرة بحثًا عن حياة أفضل.

وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي التّاسع بعد المائة للمهاجرين واللاجئين رافعًا هذه الصلاة: أيّها الإله، الآب القدير، أعطنا نعمة أن نلتزم بشكل فاعل في سبيل العدالة والتّضامن والسّلام، لكي تُضمَن لجميع أبنائك حرّيّة اختيار الهجرة أو البقاء. أعطنا الشّجاعة لأن ندين أهوال عالمنا كلّها، ولنكافح ضدّ كلِّ ظُلم يشوّه جمال مخلوقاتك وانسجام بيتنا المشترك. أعضدنا بقوّة روحك القدّوس، لكي نتمكّن من أن نُظهر حنانك لكلّ مُهاجر تضعُه على دربنا وننشر في القلوب وفي كلّ بيئة ثقافة اللقاء والعناية.