67 سنة منير.. رفاق «الكينج» يتحدثون عن «خلطة النجاح»
محمد منير.. فنان الشعب والجذور والنوستالجيا والماضى والحاضر، صوت يتحدث باسم آمالنا وتطلعاتنا وأوقاتنا الحلوة والمرة، وتجربته الأجدر بأن يتتبعها الباحثون تحليلًا ودراسة وفهمًا. والمتتبع لمسيرة «منير» يجب عليه أن يتوقف كثيرًا أمام تصوراته التى طرحها عن الموسيقى والغناء، والتى عبّر عنها كثيرًا فى الحوارات الصحفية العديدة التى أجراها. انحاز «منير» من البداية لمنطق «التأثير» لا «الجماهيرية» التى قد تحوله لسلعة تجارية تُفقده خصوصيته وتفرده، مثلما وصف فى حوار أجراه لجريدة «الأهالى» عام ١٩٨٦».
فى هذا الحوار، قال الكينج: «كلمة انتشار تجعلنى أحس بأننى سلعة، وأنا أرفض أن أكون سلعة، بل أحب أن أكون مؤثرًا». كان هذا جزءًا من تصور «منير» عن نفسه، لكن هناك جانبًا مهمًا يجب الوقوف أمامه وهو تصورات مجايليه وزملائه عنه، ورؤيتهم موسيقاه وتجربته، وهى الآراء التى نستعرضها على ألسنة الشعراء والملحنين والفنانين الذين رافقوه خلال رحلته الطويلة مع احتفال «الكينج»، أمس، بعيد ميلاده الـ٦٧.
هانى شنودة: مختلف عن الجميع.. وأول ما شفته حبيته وصنعت له لونًا خاصًا
يحكى الموسيقار هانى شنودة كواليس أول لقاء بينه ومحمد منير، حيث تلقى اتصالًا من الشاعر عبدالرحيم منصور يخبره خلاله بأنه سيزوره رفقة مطرب جديد.
يقول: «دخل علىّ محمد منير، من أول مرة شفته حبيته، وطلب منى عبدالرحيم منصور صياغة لون فنى جديد يناسبه، فهو قادم من الجنوب، لأن الطرق الفنية السائدة وقتها لم تكن تناسبه، ووافقت».
واتفق «شنودة» مع فرقته، التى تضم فى عضويتها تحسين يلمظ «بيز جيتار» وهانى الأزهرى «درامز»، على صناعة عمل جديد لـ«منير».
وقال: «طلبت من منير إحضار عازف دُف نوبى، وفى اليوم التالى أحضر سليم شعراوى وقال لى: (ده أحسن واحد يلعب دُف نوبى)، ووزعت الهارمونى الموسيقى عليهم».
وأضاف: «قلت لمنير: (سيبنى بكرة أو بعده، أسمع وأشوف اللى عملناه ده معقول، أو وحش، لكن لا بد من الانتظار والسماع مرة أخرى لأتأكد)». كان «شنودة» قد رفض التعامل مع إحدى المطربات اللبنانيات التى رغبت شركة «سونار» فى التعاقد معها، إذ يقول: «كانت أذنها مخاصمة الطبقة الموسيقية، قالولى الناس بتحبها فى الكباريه، قولتلهم لأ يعنى لأ، وقبلها جابولى مطرب اسمه سيد جلال كان شبه محمد حمام بالملى.. لكن عجبنى اللى عملناه لمحمد منير، وتواصلت مع الشركة وأبلغتهم بموافقتى على العمل معه».
وصدر الألبوم الأول «أمانة يا بحر»، وكانت أولى أغنياته تحمل نفس الاسم، لكن بعدما طُرح الشريط فى الأسواق لم يحقق نجاحًا، لقلة انتشار أجهزة الكاسيت فى مصر.
وبعدما حققت فرقة «المصريين» نجاحها الضخم من خلال شريط «بحبك لا»، اقترحت الشركة إصدار الألبوم الثانى لـ«منير» وكان بعنوان «بنتولد» وحقق مبيعات كبيرة.
حقق «منير» انتشارًا ملحوظًا، وعمل رفقة فرقة «المصريين» بقيادة هانى شنودة، ويقول الملحن الكبير: «كنّا بنشغله معانا، وبعدين قلت: (يا منير، لو جاتلنا حفلة فى إسكندرية، وإنت جاتلك حفلة فى القاهرة، هنعمل إيه؟.. أنا هجبلك يحيى خليل يسجل معايا الشريط التانى ويعملك فرقة، وتعتمدوا على بعض)، وبالفعل استمروا معًا».
يقول هانى شنودة: «محمد منير، شكلًا ومضمونًا، مختلف عن أى مطرب فى الوطن العربى، قادم من النوبة، واختلاف شكله بملامحه النوبية، ولهجته ونطقه الكلمات كانت عاملًا فى اختلافه عن غيره، لكننى صنعت له لونه الغنائى وكنت مختلفًا عن الجميع وقتها».
كوثر مصطفى: أغنياتى تشبه شخصيته الفنية فجمعتنا 24 أغنية
بالصدفة، عثر المخرج خيرى بشارة على ديوان «موسم زرع البنات» للشاعرة كوثر مصطفى، فاستفزه العنوان وأُعجب بقصائده، التى كانت تتماس مع مشروع فيلمه «طعم الدنيا» كأنها كتبت له، لذا قرر البحث عن صاحبة الديوان، ليتفق معها على منح تلك الأغنيات لمحمد منير لتكون ضمن سياق الفيلم.
لم يتم إنتاج العمل، لكن بقيت الأغنيات التى جمعت بين «منير» والشاعرة كوثر مصطفى، ومنها «اخرج من البيبان»، التى خرجت بعد ذلك بسنوات طويلة ضمن ألبوم «أنا قلبى مساكن شعبية»، ودشنت علاقة فنية استمرت لسنوات وأثمرت عن ٢٤ أغنية أخرى، وربما أكثر. التعاون الفنى الأول بينهما تمثل فى أغنية «ساح يا بداح»، من تلحين الموسيقار فتحى سلامة، وعن ذلك التعاون قالت: «قبل هجرتى لإسبانيا أهديت منير كلمات الأغنية، واستغرب كلماتها، لكنه أعطاها لفتحى سلامة الذى أعجب بها، لكن تعطل إنتاجها لفترة، لحين تمكنى من منحهما حق التنازل عنها، وطرحت بعدها ضمن أغنيات ألبوم (افتح قلبك) فى عام ١٩٩٤».
أما عن التعاون بينهما فى أغنية مسلسل «بكار» الشهيرة، فذكرت: «الشركة المنتجة طلبت منى أن أكتب الأغنية بعد ترشيح منير، وتم الاتفاق معى بعد ذلك على التفاصيل، لكن العمل كان مقررًا أن يصبح فيلمًا قصيرًا فى البداية، قبل أن يتحول إلى مسلسل». وعن أسباب استمرار التعاون بينهما لسنوات، قالت الشاعرة كوثر مصطفى: «أغنياتى كانت تشبه الشخصية الفنية لمنير، وذلك ما حفزنى على مواصلة العمل معه، خاصة أنه موهوب فى اختيار الأغانى الناجحة، وكتبت له أغنيات فى ألبوماته قبل أغنيات الأفلام السينمائية، وكان يطلبنى خصيصًا لكتابة تلك الأغنيات، وهو من قدمنى للمخرج يوسف شاهين والملحن كمال الطويل، وكان كثيرًا ما يتفق معى على مشروع الأغنية قبل كتابتها».
بهاء الدين محمد: أكثر مطرب توافرت فى صوته الملامح المصرية
جمعت بينهما الصدفة فى منزل الموسيقار حسن أبوالسعود، ثم تطورت العلاقة بينهما لننتج أغنيات كثيرة، من أشهرها «لما النسيم» و«بتبعدينى» و«قلب فاضى» و«المغنى» وغيرها. هكذا بدأ تعاون «منير» مع الشاعر الغنائى بهاء الدين محمد، الذى قال إنه يكتب أغنياته لـ«الكينج» بمنتهى الحرية دون أى خوف أو تردد من استخدام بعض المفردات الصعبة أو الغريبة.
وأضاف: «منير يقدر يغنى أى فكرة، وكلما زاد عمق الكلمات فى أغنياته زاد نجاح الأغنية، خاصة أن تلك الكلمات لا تليق إلا بصوته، كما أنه لم يسبق له تجهيز اللحن أولًا قبل اختيار الكلمات، بل يدقق أولًا ودائمًا فى اختيار كلماته قبل كل شىء، وهو فى هذا يختلف عن بقية المطربين، الذين يفضلون الكلمات الخفيفة ويستعدون بالألحان أولًا».
وأشار إلى أن مساحة الصوت العريضة لدى «منير» تتيح الحرية لأى شاعر غنائى فى كتابة كلماته، لأنه يكتب لصوت يعطى قيمة فنية كبيرة للكلمات مهما كانت بساطة فكرتها، موضحا: «وُهِب منير خامة صوت تناسب ملامحه وإحساسه وجمهوره، وهى التى صنعت له نجوميته بين أبناء جيله، كما أنه لحظة تسجيل الأغنيات يتحول طفلًا، يشعر بالشغف تجاه الكلمات ويؤديها بكامل إحساسه، ما يميزه عن كثير من المطربين من أصحاب الصوت الجيد الفاقدين الإحساس والذوق الفنى».
وعن التعاون بينهما قال: «فى الماضى، كان منير يفضّل تنفيذ الأغنيات من خلال ورشة فنية يعقدها مع الملحنين والمؤلفين، وهو ما حدث فى (لما النسيم)، و(بتبعدينى)، لكن الوقت الحالى أصبح لا يسمح باستمرار هذا النظام». أما عن أغنية تتر البداية لمسلسل «المغنى»، فقال الشاعر الغنائى الكبير: «كلمات الأغنية تعبّر عن حالة منير الذاتية، فقد رسمته من خلال الكلمات بدقة شديدة، فهو حالة مصرية مائة بالمائة، وأكثر مطرب تتوافر فى صوته الملامح المصرية الخالصة، كما أنه مطرب مثقف، وصاحب قضية، وحالة إبداعية مختلفة عن أبناء جيله».