رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد حلمي هلال: أسامة أنور عكاشة رشحني لكتابة «بوابة المتولي» بدلًا منه (حوار)

محمد حلمي هلال
محمد حلمي هلال

كنت أول ضيف على السيناريست محمد حلمى هلال، بعد ٦ أشهر لم يلتق فيها أحدًا، بعد أن تملكته الغربة والوحشة، حتى إنه خرج إلى الشارع ٥ أو ٦ مرات فقط خلال السبع سنوات الماضية. فالكاتب الكبير يرى أن المجتمع «توحش»، حتى صار لا يعرف «من هؤلاء الناس؟» و«متى أتوا؟»، ويسأل نفسه يومًا بعد يوم: «كيف تغيرت طباع المصريين لهذه الدرجة؟»، لذا فضّل البقاء وحيدًا، لأنه «ليس واحدًا من هؤلاء». عن مسيرته الطويلة فى عالم الفن، وذكرياته مع أحمد زكى وعبلة كامل وعادل إمام، وحكاياته مع الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، ومشروعاته السينمائية والدرامية المقبلة، يدور حوار «الدستور» التالى مع السيناريست الكبير محمد حلمى هلال. 

 

«الأهرام» اعترضت على سائق «حكايات الغريب».. وبوسى سبب عدم إنتاج «دخلة وداد»

بداية السيناريست محمد حلمى هلال كانت مع المخرجة القديرة إنعام محمد على، بعدما وافقت على سهرة تليفزيونية أعدها عن المحامى إبراهيم الهلباوى، الذى دافع عن الإنجليز فى حادث دنشواى. 

أدهش السيناريو المخرجة الكبيرة، لذا سألته فى لقائهما الأول: «إنت اللى كاتب ده؟ إنت محمد حلمى هلال؟ إنت صغير قوى، اللى يكتب فى الموضوع التاريخى ده لازم يكون مثقفًا كبيرًا، لم أظن أن سنك صغيرة هكذا».

وحسب «هلال»، كان عنوان السهرة التليفزيونية: «صعود وسقوط إبراهيم الهلباوى»، لكن أحد أقارب «الهلباوى» النافذين تدخل لدى سامية صادق، رئيس التليفزيون آنذاك، لمحاولة منع إذاعة السهرة، اعتراضًا عليها ككل، مع رفضه كلمة «سقوط» معتبرًا إياها «إهانة»، لكن رئيس التليفزيون رفضت طلبه، فاقترحت «إنعام» تغيير الاسم إلى «الخروج من الجلد» تخفيفًا للضغوط.

كما قدم «هلال» و«إنعام» أيضًا فيلمًا تليفزيونيًا حمل اسم «صائد الأحلام»، بطولة ممدوح عبدالعليم وصابرين، وقصته مستمدة من مشكلة حقيقية نشرها الكاتب الصحفى عبدالوهاب مطاوع فى بابه الشهير «بريد الأهرام»، ونجح فى الحصول على الجائزة الذهبية بمهرجان الإسكندرية للأفلام السينمائية، رغم أنه فيلم تليفزيونى، وهو ما دفع الثنائى للتحمس لتجربتهما التالية المتمثلة فى فيلم «حكايات الغريب».

وحكى «هلال» قصة هذا الفيلم، الذى بدأ بكتابة الأديب جمال الغيطانى، بصفته مراسلًا حربيًا فى حرب أكتوبر بمحافظة السويس، قصة واقعية بعنوان: «حكايات الغريب»، وعُرضت على العديد من الكُتّاب، لكن لم يستطع أى منهم كتابتها سينمائيًا، لأنها تدور حول بطل واحد هو سائق فى جريدة «الأخبار».

لكن «هلال» تصدى لتلك المشكلة، ونجح فى كتابة السيناريو والحوار الخاص بقصة «الغيطانى»، وتذكر أن جريدة «الأهرام» اعترضت على ظهور البطل سائقًا فى جريدة «الأخبار»، ما اضطره إلى كتابة مقال شرح فيه أنه ليس من المهم عمل السائق فى أى من الجريدتين، المهم أنه إذا بحثت بداخلك ستجده.

انتقل السيناريست محمد حلمى هلال للحديث عن واحد من أروع الأفلام التى قدمها للسينما المصرية، وهو «هيستريا»، بطولة النجمين أحمد زكى وعبلة كامل، مشيرًا إلى أن عرضه تزامن مع فيلم «رسالة إلى الوالى» للفنان عادل إمام.

وقال «هلال» إن «شخصية (وداد) عاشت بداخلى لفترة كبيرة، وسببت لى قلقًا كبيرًا، لأننى لم أكن قد أنهيت حسابى معها، والفيلم نفسه لم ينته بداخلى، لذا كتبت جزءًا ثانيًا للفيلم باسم (دخلة وداد) لأنصرها، واشتراه منى الفنان نور الشريف».

وأضاف: «نور اشترى الفيلم بصفته منتجًا سينمائيًا، من خلال امتلاكه شركة (إن بى) للإنتاج السينمائى، بالشراكة مع زوجته الفنانة بوسى، وأتذكر أنه قلد أستاذه يوسف شاهين، وترجم سيناريو الفيلم إلى اللغة الفرنسية، وحصل على منحة خدمات إنتاجية تشمل المكساج والمونتاج وأدوات التصوير من فرنسا».

وواصل: «أثناء تعاقد نور الشريف على الفيلم مع الموزعين والمنتجين، عرض عليهم بطولة زوجته بوسى للعمل، لكنهم لم يقتنعوا بتجسيدها شخصية (وداد)، خاصة أنه مخرج الفيلم، لذا لم يخرج العمل إلى النور حتى هذه اللحظة»، لافتًا إلى أن الجزء الثانى كان يدور حول شباب من تيارات فكرية مختلفة، يسارى ويمينى وإخوانى، يحاولون الزواج من «وداد»، ولكل منهم سببه الخاص، لكن الزواج يفشل فى ليلة الدخلة.

وكشف عن أن النجم الراحل أحمد زكى، بطل الفيلم، تنبأ لهم بالحصول على جوائز من صندوق التنمية الثقافية دونه، فرد «هلال» عليه مستنكرًا: «إحنا ناخد جوائز وأحمد زكى بجلالة قدره لأ؟!»، لكن حدث ما حكاه بالضبط، وحصل هو وعبلة كامل على جوائز، ولم يحصل «زكى» على أى جائزة، متابعًا: «كانت أول وآخر مرة تحصل فيها عبلة كامل على جائزة».

طلبت أجرًا خرافيًا فى «أيام السادات» حتى لا أشارك فى كتابة العمل

مع أحمد زكى تذكر «هلال» أن الفنان الراحل طلب منه استخلاص سيناريو واحد من سيناريوهات عديدة لفيلمه عن الرئيس محمد أنور السادات، كان قد كتبها الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، والمخرج محمد خان، والصحفى أحمد بهجت.

وقال «هلال»: «أحمد زكى عبّر لى عن حيرته بين هذه السيناريوهات، التى لم يرض عن واحد منها، وأراد أخذ جزء يعجبه من كل سيناريو على حدة، لكنى رفضت، وأخبرته بأن ذلك لا يجوز فنيًا، ولن أسمح لنفسى بأن أضع اسمى على سيناريو مهلهل».

لكن «زكى» أصر، وأرسل حسين القلا، مدير إنتاج فيلمه عن «السادات»، إلى فندق «الكوزموبوليتان» فى وسط القاهرة، حيث اعتاد «هلال» الكتابة، فما كان من الأخير إلا أن طلب منه أجرًا ٢٥٠ ألف جنيه، كمبلغ تعجيزى يخلصه من هذه المهمة، وكان يحصل وقتها على أجر ١٠٠ ألف جنيه.

اندهش «القلا» وفزع من المبلغ المطلوب، وأصر «هلال» على المبلغ، وعندما علم أحمد زكى حزن جدًا، خاصة أنه دفع أجورًا لأكثر من كاتب للسيناريو، دون أن يحصل على ما يعجبه، فاقترح «هلال» عليه أن يختار من بينها ما يعجبه، كما كانت فكرته الأولى.

وبيّن «هلال» أنه كان سيتناول جميع الأحداث التى مر بها الرئيس الراحل، حال كتابته سيناريو الفيلم، بدءًا من وقت ارتدائه البذلة العسكرية استعدادًا لحضور العرض العسكرى الذى قُتل فيه، ثم يروى فى تلك اللحظة تفاصيل حياته كاملة منذ الطفولة.

«الإخوان» وراء توقف «أحفاد سى السيد»

رأى محمد حلمى هلال أن ما سميت بـ«موجة المضحكين الجدد»، أمثال محمد هنيدى وهانى رمزى وعلاء ولى الدين، تسببت فى «بطالة» كثير من المخرجين المنتمين للمدرسة الواقعية، بعدما انسحبت السينما لهذه الموجة.

اتجه «هلال» لكتابة المسلسلات جراء ذلك، بداية من «بوابة المتولى»، الذى كان من المفترض أن يكتبه السيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة، لكن قيادات ماسبيرو آنذاك طلبت منه العمل على جزء ثانٍ من مسلسل «ليالى الحلمية»، فرشحنى الأخير لمنتج العمل، الذى كتبته وأنتجناه وحقق نجاحًا فنيًا كبيرًا، ووقتها أشاد النقاد بـ«عكاشة»، رغم أن «هلال» هو كاتب العمل.

وبينما اتجه «هلال» إلى التليفزيون، تلقفت الكنيسة بقية الفنانين والمخرجين والكُتاب، أمثال خيرى بشارة وداود عبدالسيد وسمير سيف ومجدى صابر وعاطف بشاى وفايز غالى، وآخرين، فحينها كانت تُنتج أعمالًا لهم مقابل أجور كبيرة، ثم توزعها وتعرضها للبيع. 

تواصلت مسيرة «هلال»، وكان يكتب عملًا دراميًا كل عام، ووقع مع المنتج الأردنى إسماعيل كتكت عقدًا لتقديم مسلسل باسم «أحفاد سى السيد»، الذى يتصور فيه ما آل إليه أحفاد «سى السيد»، استكمالًا لما كتبه الأديب الراحل نجيب محفوظ، الذى وافق على الفكرة وأُعجب بها جدًا. وحكى «هلال»: «زرت أديب نوبل رفقة الكاتب محمد سلماوى، لأحصل على موافقته، وكان وقتها قد تعافى من أثر الاعتداء الإرهابى عليه، فاستغرب من طلبى قائلًا: «وأنا مالى؟.. الأمر يحدث فى العالم كله.. هل يحصل الأوروبيون على موافقة شكسبير مثلًا؟»، ثم وقع بالموافقة.

لكن حدث ما حدث فى يناير ٢٠١١، فعاد المنتج إلى الأردن ونقل عمله إلى هناك، وطلب من «هلال» عرض المسلسل للبيع، معلنًا عن عدم قدرته على دفع أجر ١٠ حلقات، انتهى «هلال» من كتابتها، فحاول الأخير عرضها على التليفزيون، لكنه اكتشف أن «ماسبيرو» أصبح «إخوانيًا»، وتشددت الرقابة معه جدًا، ورغم موافقتهم على الفكرة فى البداية، تدخلوا فيها بعدة تعديلات مجحفة.

وقال «هلال»: «طلبوا مقابلتى، وفوجئت بمنتقبة فى لجنة الرقابة تجلس أمامى فى قلب التليفزيون، وقبل دخولى، أخبرنى أحد أصدقائى بأنهم سيدمرون العمل، وفعلًا تدخلوا فى العمل، وحذفوا معظم مشاهده، فغضبت واعترضت بشدة، وحاولوا تهدئتى وأخبرونى بأن الحذف من مصلحة العمل، لكنى انصرفت غاضبًا».

وأضاف: «فى تلك الفترة ألغيت وزارة الإعلام، وكان الأمر فى السابق هو عرض الخطة الفنية على وزير الإعلام، وإذا غاب تُعرض على رئيس الوزراء، لذا عندما سألت عن مصير المسلسل، أخبرونى بأن (السيناريو لدى رئيس الوزراء)! وبعدها توقف الإنتاج فى قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى.. كل شىء توقف تمامًا».

واجهتُ أزمة «يا دنيا يا غرامى» بمفردى.. وأنتظر تقديم جزئه الثانى فى مسلسل

طلبت الفنانة إلهام شاهين من «هلال» كتابة جزء ثانٍ لفيلم «يا دنيا يا غرامى»، لكن المنتجين لم يوافقوا لأسباب تجارية، وتوقعاتهم أن العمل لن يحقق الإيرادات التى تغطى التكلفة، لذا طلبوا من «هلال» كتابته كعمل درامى، بنفس نجوم الجزء الأول: «إلهام شاهين وليلى علوى وهالة صدقى».

بعدما انتهى «هلال» من كتابة ٣ حلقات، اتصل به المنتج محمد هانى وطلب منه كتابة جزء ثانٍ من الفيلم، فجُن جنونه، لأنه بعد كل هذا العمل، لن يحصل على أى عائد مادى، فأخبره بأن الفيلم جاهز ومكتوب، وأرسل له نسخة من السيناريو.

وعندما علمت إلهام شاهين بذلك اتصلت بـ«هلال» غاضبة، فرد عليها: «أنتى مسألتيش تانى، ولم يكلف أحد منكم خاطره ويبحث عن منتح، بينما أنا أكتب وأبحث عن منتج»، ورغم ذلك أرسل لها سيناريو الفيلم والمسلسل معًا، بناءً على طلبها.

وأضاف: «توجهت إلهام للمنتج جمال العدل، الذى أُعجب بسيناريو المسلسل للغاية وتحمس له، وننتظر إلى الآن اللحظة التى سنوقع فيها العقود»، كاشفًا عن أن قصة المسلسل تركز على الشاب الذى فض عذرية الشخصية التى جسدتها إلهام شاهين فى فيلم «يا دنيا يا غرامى»، من خلال عودته إلى مصر، وفتح محال تجارية تشبه «التوحيد والنور»، فى إطار يتحدث عن الأنشطة التجارية للمتطرفين.

وحكى «هلال» قصة مواجهته دعوى قضائية ضد الفيلم، تقدم بها الشيخ يوسف البدرى، الذى طالب بوقف الفيلم، لأن «البطلة أجرت عملية ترقيع غشاء بكارة فى عيادة بير سلم»، متهمًا العمل بأنه «هتك ما تعارف المجتمع على ستره».

واعتبر أن المثقفين تخلوا عنه فى هذه الأزمة، ولم يسانده سوى الصحف الأجنبية، مثل «لوموند» الفرنسية وجرائد ألمانية، مشيرًا إلى أن الدعوى كلفته ١٣ ألف جنيه، ما يوازى بالضبط أجره عن كتابة الفيلم الذى قبضه من المنتج رأفت الميهى.

وانتقل «هلال» للحديث عن تجربته مع اليسار، الذى انفصل عنه فى فترة التسعينيات، وهو ما أرجعه إلى «الشللية» و«الطبقية» بينهم، فقد كانوا «أكثر طبقية من المجتمع كله».

وتذكر أن الكاتبة فريدة النقاش، زوجة الكاتب اليسارى صلاح عيسى، طلبت منه كتابة عمل فنى عن صلاح حسين، زوج اليسارية شاهندة مقلد، الذى اغتيل لأسباب سياسية فى كمشيش بالمنوفية، لكنه لم يستجب لها، فتواصلت معه «شاهندة» وكررت نفس الطلب، فرفض.

وواصل: «بدأوا يتجاهلون أخبارى فى الصحف والمجلات التابعة لهم، وألغوا وجودى، ولم يكتب عنى سوى كُتاب الأعمدة اليومية، ما تسبب فى تجاهل شديد لى، جعل الناس يتساءلون: (أين ذهب محمد حلمى هلال؟)».

وعن انتحار الكاتبة اليسارية أروى صالح، حكى «هلال» أنها جاءته وطلبت منه مساعدتها كى تجيد كتابة سيناريو، لكنه لم ينتبه لحالتها النفسية، وكيف كانت مريضة وهزيلة للغاية، مضيفًا: «كنت مشغولًا بالكتابة، فطلبت منها عرض الفكرة ثم نعمل سويًا لتطويرها، لكنها فى الحقيقة كانت تبحث عن أى محاولة للنجاة، وبعدها بشهر انتحرت، وحزنت من نفسى للغاية»، معتبرًا أن «أصدقاءها اليساريين سبب نكبتها وحزنها، وكانوا الأكثر إيذًاء لها».

كما تذكر ترشيح الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة له لكتابة مسلسل «بوابة المتولي»، قائلًا إن «أسامة أنور عكاشة رشحنى للمخرج محفوظ المغازى، لكتابة (بوابة المتولي)، لعدم استطاعته كتابته بسبب ظروفه المرضية المفاجئة.

وأضاف: «بعد العرض الأول للمسلسل فى عجمان، أرسل وزير الثقافة هناك خطاب شكر للجماهيرية الكبيرة التى حققها العمل الدرامى، وخلو شوارع المدينة حتى من الحشرات وقت عرضه! وأشاد جميع النقاد بالعمل، إلا الناقد طارق الشناوى، الذى كتب فى (روز اليوسف): (أسامة أنور عكاشة الحقيقى وأسامة أنور عكاشة التايوانى)، وكان يقصدنى بـ(التايوانى)».