رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يهدمون بيت أحمد رامى يا وزارة الثقافة!


سنقول إننا انتصرنا وتطورنا وارتقينا بأحوالنا وحياتنا عندما تصبح الثقافة قوة أشد من قوة رأس المال، وأكبر من هيمنة التجارة والبورصة، وأعلى من الصفقات المالية وحسابات البنوك. أقول هذا بمناسبة هدم بيت الشاعر أحمد رامى «1892- 1981» الكائن بشارع الشهيد نبيل السباعى فى حدائق القبة. الهدم الذى بدأ يوم الجمعة 4 مارس الحالى لإقامة برج سكنى ضخم

البيت كان مزاراً لأم كلثوم وكبار الشعراء والمثقفين والفنانين. بيت رامى الذى ترك لنا ديواناً من أربعة أجزاء ومسرحية «غرام الشعراء» واشتهر بترجمة «رباعيات الخيام» عن الفارسية وأسهم بالتأليف والحوار والأغانى فى ثلاثين فيلماً سينمائياً وكتب لأم كلثوم أكثر من مئة أغنية منها «أقبل الليل» و«غلبت أصالح» و«جددت حبك ليه». وعند رحيلها ودعها بأجمل الكلمات: «ماجال فى خاطرى أنى سأرثيها.. بعد الذى صغتُ من أشجى أغانيها.. قد كنتُ أسمعها تشدو فتطربنى.. واليوم أسمعنى أبكى وأبكيها». هكذا تهدم سطوة رأس المال المتوحش كل قيمة، وهى التى هدمت من قبل البيت الذى ولد فيه بيرم التونسى بحى السيالة بالإسكندرية وحولته إلى برج سكنى باسم «برج الصفا». بيرم الجميل الذى قال «يا مصر هجرك يكفانى.. يا عاملة قمع ونسيانى»! الذى كتب يخاطب الملك فؤاد: «بذلنا ولسه بنبذل نفوس.. وقلنا على الله يزول الكابوس.. ما شفنا إلا عرشك ياتيس التيوس.. لا مصر استقلت ولا يحزنون»! أما قصر هدى شعراوى قائدة مظاهرات النساء فى ثورة 1919 فقد تحول فى المنيا مسقط رأسها إلى خرابة على مرأى ومسمع من كل الجهات. الثائر زعيم الفلاحين أحمد عرابى أول من قال للطغيان «لسنا عبيداً» أمسى متحفه فى الشرقية خرابة، وتحول- على حد قول حفيده سيد عبد الفتاح عرابي- إلى «وكر مخدرات وملقف قمامة»!! البيت الذى ولد فيه سيد درويش فى كوم الدكة بالإسكندرية أمسى مرعى للماعز بالمعنى الحرفى للكلمة وهذا كل ما تقدمه الدولة من اهتمام بخالد الذكر سيد درويش وبدوره فى بلورة الشعور القومى وتجديد الموسيقا. ترك سيد درويش ثروة من النغم تتألف من نحو 31 عملاً غنائياً مسرحياً منها 12 أوبريت أشهرها «العشرة الطيبة» و«الباروكة» و«شهرزاد» مع 12 موشحاً وعشرة أدوار، و66 طقطوقة ومونولوج، و12 نشيداً أشهرها «بلادى بلادى». وفى 17 مارس الحالى تحل ذكرى مولد درويش المئة والرابعة والعشرون فى ظل صمت دار الأوبرا وتجاهلها تقديم أى عمل من روائعه. وما دام لرأس المال القوة على اقتلاع كل شىء، ومادامت الثقافة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ومادامت وزارة الثقافة أشد عجزاً، فلا تصدعوا رؤوسنا بالحديث عن التنوير. فى ألمانيا، يطوقون منزل الموسيقار الشهير بيتهوفن بالزهور، وفى النمسا يبيعون قطع الشيكولاتة باسم «موتسارت».أما نحن فإننا نتحدث عن الثقافة قولاً ونهدمها فعلاً، نلقى الخطب العصماء عن التنوير ونطمر مشاعل تاريخنا فى الظلمة وندع معالمها وآثارهانهباً لوحشية رأس المال الذى لا يتقن إلا الاستثمار فى كل شىء يدر الربح! سنقول إننا بدلنا دنيا بدنيا أخرى، وحياة جديدة بحياة قديمة فقط عندما يغدو رنين الكلمة أوسع انتشاراً وأثراً من رنين العملة النقدية، وإلى أن يحل هذا اليوم سيظل لحم تاريخنا معروضا لمن يدفع أكثر.

■ أديب