رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفساد الإدارى «١-٢»


الفساد الإدارى آفة مجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية وعانت منها منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة وحتى يومنا هذا. وهى اليوم موجودة فى جميع المجتمعات الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة. فظهورها واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان فى الحصول على مكاسب مادية أو معنوية يعتقد فى قرارة نفسه أنه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى إليها. ولذا فهو يلجأ إلى وسائل غير سوية للوصول لها، منها إقصاء من له أحقية فيها، ومنها أيضاً الحصول عليها عن طريق رشوة من بيده الأمر أو عن طريق آخر هو المحسوبية أو الواسطة عند ذوى الشأن.

هذه الآفات المجتمعية التى يطلق عليها فى مجملها مسمى «الفساد الإدارى» جاهد الكثير من المجتمعات الحديثة للتخلص منها وعقاب المتسبب فيها، لأنها عقبة كأداء فى سبيل التطور السليم والصحيح والصحى لتلك المجتمعات. ولذا اعتبر ارتفاع مؤشر الفساد الإدارى فى أى مجتمع دليلاً على تدنى فعالية الرقابة الحكومية وضعف القانون وغياب التشريعات الفعالة، فى الوقت الذى اعتبر فيه انخفاض مؤشر الفساد دليلاً على قوة القانون وهيبته وفعالية التشريعات ووجود رقابة فاعلة ومؤثرة. الفساد هو سوء استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية ومن أهم دوافع الفاسد هو غياب القيم الأخلاقية، وهى من أهم وسائل الرقابة الذاتية للفرد أمام الله ثم المجتمع، بالإضافة إلى غياب ثقافة المواطنة، وأهم ما نعانيه فى إدارات الدولة هو الفساد التراكمى نتيجة غياب الرقابة الإدارية الصارمة وغياب مبدأ الثواب والعقاب، فارتكاب أى مسئول كبير تجاوزات قانونية ومالية وعدم معاقبته حسب الأصول القانونية والدستورية للدولة فإن ذلك سيشجع كل موظف فى وزارات الدولة على ارتكاب تجاوزات مماثلة، مما يؤدى إلى تراكم الفساد، وتصبح معالجته مسألة غاية فى الصعوبة بل تحتاج إلى هبة شعبية واسعة تستنهض كل الضمائر التى مازالت قلقة على مصلحة الوطن، ومع غياب ثقافة المواطنة، التى ترسخ مبدأ «الأولوية للوطن» فى ذهنية المواطن، زادت إمكانية انتشار الفساد فى إدارات الدولة.

والفساد الإدارى بأنه ظاهرة توجد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها وسيادة مبدأ الفردية، مما يؤدى إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية أو حزبية على حساب الدور الأساسى للجهاز الحكومى، مما يؤثر فى مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص لدى المواطنين وطالبى الخدمة العامة. إن أسباب الفساد الإدارى تتمثل فى تشابك الاختصاصات التنظيمية للوحدات الإدارية وغياب الأدلة الإجرائية المنظمة للعمل ووضوح السلطات والاختصاصات والمسئوليات الوظيفية والاعتماد على الفردية والشخصية فى العمل، مما يؤدى إلى اسغلال الوظيفة العامة. كذلك ضعف الدور الرقابى على الأعمال وعدم وجود معايير واضحة للتعيين فى الوظائف العامة أو القيادية، مما يؤدى إلى سوء اختيار القيادات والأفراد، إضافة لعدم تفصيل مبدأ العقاب وتطبيق القانون على المخالفين أو المستغلين العمل لمصالحهم الشخصية وضعف المسئولية الإدارية عن الأعمال الموكلة أو المحاسبة عليها سياسية واجتماعية كما أن هناك أسباباً سياسية، والتى تعد أحد الأسباب الرئيسة للفساد الإدارى، حيث يظهر من خلال المحاباة، والتعيين لأغراض سياسية والتساهل فى تطبيق القانون والواسطة، إضافة لطبيعة العمل التشريعى وما يصاحبه من وسائل ضغط وسوء تقييم للمناطق الانتخابية وانتشار الرشوة وبروز التكتلات السياسية وتأثيرها فى الحكومة من خلال المقايضات السياسية وغيرها من العوامل الأخرى. أما عن الأسباب الاجتماعية فإنها تتمثل فى التركيبة السكانية والولاء العائلى والقبلى أو الحزبى، مما يؤثر فى انتشار الواسطة وخدمة المجموعة التى ينتمى إليها، إضافة لضعف دور مؤسسات وجمعيات النفع العام فى القيام بدورها.

ولكى نعالج الفساد الإدارى فى دوائر الدولة يجب اتباع الحلول والمقترحات الآتية: 1 - الإصلاح السياسى وهو محور الارتكاز للإصلاح الإدارى والقضاء على الفساد من خلال المحاور المتمثلة فى صور الممارسات السياسية غير السليمة وأشكالها.. 2 - الإصلاح الإدارى من خلال التنظيم والأدلة الإجرائية على مظاهر التسيب وتحسين الدور الرقابى للدولة.. 3 - الإصلاح الاجتماعىمن خلال التعليم والأسرة والمجتمع بنبذ الفئوية والفردية فى مجال الوظيفة العامة وتدريس القيم والأخلاقيات الوظيفية.. 4 - تفعيل وتطبيق القانون من خلال تطوير النظم والتشريعات الحالية وتطبيق القانون على المسىء، حتى يكون عبرة لغيره.. 5 - وجود وثيقة إصلاح وطنى شاملة يتعهد الجميع على العمل بها وتفعيلها واتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير المجتمعى الشامل.