رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحزن النبيل على أخى نبيل


الحزن أنواع، فبكاء ونحيب وصراخ يفرغ الإنسان أحزانه فى لحظة ثم يهدأ، وأما الحزن النبيل،فيحتفظ به القلب ويترك علاماته عليه، وتظل الذاكرة تخرج لحظات السعادة، وكلما تفرز الذاكرة الذكريات تسيل الدموع الخارجية والداخلية، إذا كان حزن الخنساء على أخيها صخر حرك فيها المشاعر والذكريات، وأصبح رثاء أخيها يتردد على مدى القرون،فبعض الذكريات لأخى قد تكون نوعا من الرثاء، فبعد نكسة 1967، وما لقته مصر من هزيمة لا تستحقها، ونجحت إسرائيل فى القضاء على الطيران المصرى، فضربت الطائرات وهى رابضة على أرض المطار . وضاعت كل مجهوداته الخارقة التى بذلها لتطوير الطائرات، كان أخى ضمن الفريق الذى يعمل على تطوير الطائرات بصفته مهندس طيران، وتلقى تدريبات على أعلى مستوى فى بعض البلدان الشرقية،. وأتى إلى مصر لكى يطبق ما تعلمه فى الخارج، وكان يدخل الورش ليطمئن على العمل بها، ولم يكتف بذلك بل كان يسابق الزمن ويشترك فى العمل مع الفنيين على مكن الخراطة ليدخل بعض التعديلات على الطائرات الروسية، وأثناء انشغاله بالعمل فقد عقلة من أحد أصابعه، دخلت عليه فى حجرته التى أغلقها عليه عدة أيام بعد انتهاء النكسة، لكى أتساءل عما حدث، وما سبب هذه الهزيمة، فما كان وواجهنى ببكاء وصراخ وطلب منى سرعة إغلاق الباب. وتعلقه بمصر التى كان دائما يتمنى أن يراها سيدة العالم، جعلته يشارك بكل قوة فى ثورة يناير 25، فهو مثل أغلبية المصريين تفاءل بهذه الثورة قبل أن تختطفها الجماعات الإرهابية وكان يأتى للمبيت يوميا فى وقت متأخر من الليل وفى برد يناير الشديد لبيتى لقربه من ميدان التحرير وقد بح صوته من الهتاف والخطابة فى الميدان، وتورمت قدماه، ويسألنى هل ستنجح الثورة، فكنت أستعين ببيت الشعر المشهور، وأقول له إن إرادة الشعب هى الغالبة، وفى الصباح الباكر يعود إلى ميدان التحرير ويوم تنحى مبارك طلب منى شراء بطانية، حيث إنه قرر المبيت فى ميدان التحرير .وكان حبه للعلم وتشجيعه لطلابه، فعندما كان ابنى يستعد لمناقشة رسالة الدكتوراه فى هندسة القاهرة، دعانا إلى بيته وأخذ يراجع مع ابنى الرسالة كلمة كلمة ويدخل بعض التصليحات المناسبة، وفى يوم المناقشة حضر لبيتنا فى الصباح الباكر لكى يشجعه وأخذ يراجع معه مقدمة الرسالة فقرة فقرة حتى اطمأن على كل التعديلات، وذهبنا إلى كلية الهندسة وأخذ يذكر لابنى أنه ناقش رسالته فى هذا المدرج لكى يبث الطمأنينة ويمنحه الثقة. وبعد أن تمت المناقشة بسلام كانت فرحته لا يمكن أن توصف وفى الختام أقول هذا البيت من الشعر:

الناس صنفان موتى فى حياتهم

وآخرين فى بطن الأرض أحياء.

عضو اتحاد المؤرخين العرب