رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ومن السياسة ما قتل.. فانتبهوا يا عرب


السياسة فى أبسط تعريفٍ لها هى فن تحقيق الممكن اقتضاءً للحق أو جلباً للمنافع أو حفاظاً على المصالح، والسياسة بهذا المفهوم لا تقتصر على الدبلوماسية، ولكن الأخيرة هى احدى أدوات السياسة. وممارسة السياسة- على عكس ما يظن البعض- يمكن أن تحكمها المبادئ والقيم النبيلة السامية بحسب مرجعية السياسى أو الدولة ومن المألوف فى الممارسة السياسية سواءً على مستوى الفرد أو الدولة، التغاضى عن حقيقةٍ أو التنازل عن حقٍ فى سبيل تحقيق هدفٍ أكبر وأسمى، فإذا انعدم ذلك الهدف أو لم يتحقق فإن الممارسة السياسية على هذا النحو تكون خطيئةً كبرى ويصبح تدارك نتائجها السلبية أمراً عسيراً وقد يصير مستحيلاً. ومن أمثلة ذلك النوع من الممارسة السياسية تحضرنى ثلاثة مواقف للدولة المصرية تجاه أمورٍ تُعدُ من صميم أمننا القومى، وهذا ما يدعونى لتكرار الحديث عنها أما الموقف الأول فكان التغاضى عن حقائق أحداث يناير 2011 وعزوف الدولة عن تصنيفها الحقيقى، وأعتقد أن ذلك الموقف كان بُغيةَ الحفاظِ على الهدوء والاستقرار الداخلى وتجنب الاختلاف والتناحر بين أطياف المجتمع بسببه، كما كان بُغيةَ إجهاضِ أى ذريعةٍ للقوى الخارجية للتدخل الأحمق فى شئوننا الداخلية. وأعتقد أن ذلك الموقف لم يحقق المرجو منه تحديداً بل وبات تكأة لمزاعم الجماعة الإرهابية.

الموقف الثانى للدولة المصرية كان تجاه موضوع الوحدة الوطنية والذى يُعدُ من العناصر الرئيسية لأمننا القومى. فمع التسليم بأهمية المظاهر والفاعليات التى تُتبع لتأكيد وترسيخ التواصل والتعاطف بين شريكى الوطن، إلا أننى أرى أن محاولة طمس أوجه الاختلاف العقائدى بينهما وتجنب الإفصاح عن هوية الدولة ومرجعيتها، إنما يؤدى إلى فقدان الثقة فى الأقوال والأفعال الأخرى التى ننتهجها كآليةٍ وحيدةٍ لترسيخ الوحدة الوطنية، لذلك لا أجد غضاضةً عند تناول هذا الموضوع، أن نصارح أنفسنا بأوجه الاختلاف هذه، مع التأكيد الشرعى بأنها مهما تعددت فإنها لا تجيز إطلاقاً لأى شطرٍ مناصبة العداء للشطر الآخر، كما أن كل الحقوق الإنسانية لأهل الكتاب خاصةً الحق فى الأمان والمودة والعدالة مكفولةٌ ومفروضةٌ فى الشريعة الإسلامية قبل أن تنادى بها المواثيق والأعراف الدولية.

أما الموقف الثالث فهو موقف كل الدول العربية من المحنة السورية، والذى يتباين من دولةٍ لأُخرى، وكلها للأسف الشديد مواقف تغض الطرف عن حقائق الصراع، مسايرةً واستسلاماً لإملاءاتٍ خارجيةٍ أو إرضاءً لدولٍ أُخرى شقيقة، وهى بذلك مواقف تتعارض مع الأمن القومى العربى. إن المدقق فى الأحداث التى تشهدها المنطقة العربية والأرض السورية بصفةٍ خاصة، يدرك تماماً أن الحرب العالمية الثالثة بين القوى العظمى قد بدأت بالفعل ولكن بشكلٍ غير تقليدى، حيث اختارت أرضاً غير أراضيها ونمطاً جديداً للحرب تم تغليفه بشعار محاربة الإرهاب. وإذا كانت أنظمة الحكم العربية لا تعى أن المنظومة الجارية لإسقاط نظام الحكم السورى تهدف إلى إسقاط الدولة وتفتيتها، وأن ذات المنظومة بعد ذلك ستنتقل آلياً إلى دولهم، فتلك مصيبةٌ كُبرى، وإن لم تكنتعى فالمصيبة أعظمُ . لذلك أرى دوراً واجباً للدولة المصرية من منطلق مسئوليتها التاريخية ودواعى أمنها القومى، وهو أن تضطلع بتصحيح المواقف العربية تجاه الشقيقة سوريا، ومنع انزلاق أى دولةٍ عربيةٍ للتدخل العسكرى فيها مهما كانت المزاعم ومهما كانت الضغوط، لأن ذلك باختصار سيكون الضربة القاصمة لأمننا القومى، فالتدخل العسكرى المزمع الذى أعلنت عنه السعودية لن يكون إلّا غطاءً خبيثاً لتدخل القوى الغربية المعادية بعناصرها النظامية والمرتزقة من شتى بقاع العالم، فضلاً عما سيترتب عليه من استدراج الدول العربية بأسرها إلى حربٍ مدمرةٍ فيما بينها سواءً أرادت ذلك أم أبت، فهل يسترجع العرب دروس التاريخ وينتبهوا لحقائق هذه المرحلة الفارقة؟ حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.

■ كاتب