رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتش عن التعصب «2-3»


فى المقال الماضى تحدثنا عن العروسين رفيق سامى وعروسه مارسيل بقرية اتليدم بأبى قرقاص بالمنيا، اللذين بسبب الغاز اختنقا وتوفيا فى ليلة زفافهما، ونظراً لعدم تواجد أى قسيس تابع للطائفة الإنجيلية بالقرية يوم الوفاة...

... قررت أسرة العروسين اللجوء لكنيسة مارجرجس الأرثوذكسية باتليدم وطلب إجراء صلاة التعزية فى الكنيسة ولكن كهنة الكنيسة رفضوا الصلاة على العروسين بحجة أنهما تزوجا زواجاً إنجيلياً!!

وقلنا إن التعصب آفة موجودة فى عقول بعض من ينتمون لمختلف الأديان والمذاهب وفى مقال اليوم نستكمل حديثنا حول آفة التعصب، يعتبر التعصب موضوعاً مهما فى دراسات علم النفس الاجتماعى الحديث والمعاصر لأنه يحكم العلاقات بين جماعة وأخرى وبين فرد وآخر، ويعتبر التعصب سمة تصيب المجتمعات التى تصر على الانغلاق وعلى البعد عن الآخر، ومن هنا يبدأ الفرد المتعصب فى إقامة بناء خاص به يصلح أن يكون بنية صالحة لتعصبه، فهو أولاً يعتبر أن معتقداته الشخصية وآراءه وأسلوب حياته ومعيشته هى الطريق الصحيح، وكل ما عداها خطأ ولا يغتفر، ومن هنا فهو يتجنب الآخر المختلف عنه فى أقل شىء، فالتعصب هو التفكير السيئ عن الآخرين دون وجود دلائل كافية، وهو اتجاه يتسم بعدم التفضيل ضد جماعة معينة يحط من قدرها ومن قدر كل أعضائها، فالإنسان المتعصب هو إنسان بطبعه يجارى الجماعة التى ينتمى لها بدون تفكير أو وعي، فهو يستخدم فى بعض المرات الاتجاه المضاد والسلبى تجاه الجماعة الأخرى، ليوجه لها طعنات وتشويها لسمعتها بدون فحص هل هى على خطأ أم على صواب؟، والإنسان المتعصب من الصعب عليه تغيير رأيه أو حكمه السابق، وكذلك فإن الإنسان المتعصب ينتمى لجماعته فقط ويتجنب الجماعات الأخرى التى يحكم عليها حكماً مسبقاً أنها خاطئة فى أفكارها ومبادئها، إن التعصب صفة هدامة – خاصة فى العصر الحاضر الذى يتميز بالتغيير السريع، والذى يقوم أساساً على قبول الآخر المغاير – وليس مبالغة القول إن من يفشل فى قبول الآخر ويتمسك بتعصبه، سوف يسقط فى قاع الدنيا، وليس معنى هذا أن ينكر الإنسان مبادئه أو دينه أو معتقداته ويتنكر لها، ولكن عليه أن يعترف بوجود آخر مختلف له كل الحق أن يكون مختلفاً.

إن التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية، وهى تنشأ أولاً وقبل كل شىء من بواعث نفسية لا علاقة لها فى الأصل بالعقيدة الدينية، فهناك عدة عوامل تشترك فى تكوين الشخصية، فالعامل المعرفى له السبق فى هذا التكوين، ويشتمل على العمليات: الذاكرة، الانتباه، التفكير، الإدراك، الجوانب العاطفية الوجدانية «الحب والكراهية»، وهو الذى يحدد السلوك للإنسان، كيف يسلك سلوكاً ما، هل هو سلوك عدوانى، أم مسالم، متسامح، أم متشدد، متعصب أم مرن، سلوك قبول الآخر أم العزلة والوحدة بالابتعاد عن الآخرين؟. وللحديث بقية.