رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زمن الإنفاق فى صمت هل يعود ؟!


رحم الله أياماً كان المصريون فيها يتراحمون ويتعاطفون. يحنو فيهم الكبير على الصغير ويمد فيهم القادر يده للضعيف دون إعلان أو إعلام. الحمد لله أننى عشت هذه الأيام والزمن الوارف كانت فيها الإنسانيات فى أبهى صورها. بل كانت عفوية ودون مقدمات هذا السلوك الذى تلاشى وانقرض كنا نراه فى القرى والنجوع والكفور بل وفى المدن. لن أتحدث عن خالتى صفية أو جارتنا أم محمد رحمهما الله جميعاً فقد كانت الواحدة منهن مدرسة متفردة فى العطاء والإغداق. والثمرة تلاشى الغل والحقد ونقاء الصدور والقلوب ومازلت أتذكر هذا المنظر الجميل عندما أرى خالتى فلانة وهى تحمل طاجن اللبن وعدداً من أقراص الجبن كامل الدسم وماتيسر من أرغفة الخبز الطازج والخارج لتوه من لهيب الفرن البلدى وتخفى ما تحمله بساتر طرحتها السوداء ثم تقوم بتركه أمام الباب حياء منها وأدباً، كان هذا السلوك يمتد إلى جميع البيوت فاليوم لك وغداً ترد الهدايا لا فرق بين فقير أو غنى فالكل كان يتسابق بتقديم المعونة للآخرين دون مزايدة أو من على أحد.

وأتذكر أن الجميع كان يتناول طعام الإفطار بالعيش الطازج إن لم يكن من عمل أهل البيت فهو قادم من أهل الحارة والجيران والجيرة قد تمتد إلى أقاصى القرية. كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لم نسمع يومها إحم أو دستور كما يقولون أو قيل أو قال كنا فى بيوتنا نقبل هذه الأمور بعفوية من باب جبر الخواطر وهو سلوك لم نعد نراه للأسف فى هذا الزمان كل مايخرج من الأرض كان للجميع نصيب فيه وكان الناس يعيشون حالة من الرضا لم نكن نسمع التأوهات والأوجاع والخوف من الغد كما هو حاصل الآن لم يفرق صاحب العطاء بين البعيد أو القريب.

إنها حالة من الإيثار متعدد الجوانب مطلق الحدود أما فى المدينة فالوضع لم يختلف عما كان يحدث فى القرى والنجوع والكفور وأتذكر وأنا طالب فى معهد المحلة الكبرى حضر إلى المعهد الحاج فلان وهو مازال حياً وقد كان نموذجاً فى العطاء دون هيصة أو زمبليطة وقد عرفنا أنه أول من قام بالمشاريع التنموية للغلابة والمساكين وهو من بادر بإقامة أكبر مستشفى خيرى لخدمة غير القادرين بشرق الدلتا تقريباً التى تكلفت وقتها آلاف الجنيهات وبحسبة هذه الأيام فقد تكلفت الملايين من الجنيهات أتذكر هذا الرجل عندما حضر إلى المعهد وقام بتزويده بالمقاعد الجديدة والحديثة وقد هاله وأفزعه تهالك المقاعد القديمة هذا الرجل لم ينتظر ثناء من مسئول أو تصريحاً فى إحدى الصحف أو لقاء يتيماً فى أحد البرامج بل كان دوماً الرجل الذى يعمل فى صمت. روح الإيثار لماذا اندثرت من مجتمعنا.

صحيح أن هناك من يغدق وينفق إلا أنهم فى الغالب الأعم تصاحبهم اللقاءات والأحاديث التى تروج لما يقدمونه.. وما أنفقه الرجل وغيره بالتأكيد كثير لم يذهب سدى أو هباء ولم يبخس ماله بل زاده نماء وازدهاراً والدليل أنه مازال ينفق وربما زاد فى الإنفاق. فهل يعود زمن الإيثار والإنفاق والعطاء دون هيصة أو زمبليطة.. ليته يعود؟