رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"جرائم الصفوة والمحاسيب" تغتال النيل بسوهاج

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

يتعرض مجرى نهر النيل في سوهاج، لكافة أشكال التعدي بطول المحافظة علي مسافة تمتد لأكثر من 125 كيلو متر، حيث يقوم أبناء سوهاج باغتيال النيل، وممارسة الانتهاكات لمجراه بصفة يومية، فهناك عمليات مستمرة لردم مساحات واسعة من مجرى النيل لإقامة مباني وكتل خرسانية شاهقة تسمى بالأبراج السكنية والفنادق السياحية، وهناك مصانع تلقي بمخلفاتها، وقرى ونجوع تقوم بصرف مياه الصرف الصحي بمجرى النيل، وتحول حرمه لمقالب قمامة.

جرائم الصفوة والمحاسيب
وجرائم التعدي عل مجرى نهر النيل بسوهاج، أبطالها هم كبار العائلات، ورجال الأعمال، وأصحاب النفوذ، الذين يحتمون بنفوذهم وسطوتهم من سيف القانون، ويستولون علي أراضي طرح النهر المجاورة لأرضهم الزراعية بوضع اليد، منتهزين أن أراضي طرح النهر تتفرق تبعيتها بين 3 وزارات هي: الري، والزراعة، والبيئة، وهذه هي الثغرة التي يستغلها هؤلاء لتنفيذ جرائهم وحصد أموال طائلة مستغلين عدم تفعيل القوانين ووجود هذه الأراضي المملوكة للدولة في زمام أرضهم الزراعية، فيقومون بردم مساحات كبيرة علي شاطئ النيل بمحاذاة أرض طرح النهر تصل في كثير من الأحيان إلي أكثر من 10 أمتار .

وعن قضية التعدي علي مجرى النيل وراء ستار "طرح النهر" يقول خالد محمد، مدرس: هناك تشكيلات عصابية أشبه بالمافيا أصبحت منتشرة في سوهاج، خاصة في السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير، متخصصة في الاستيلاء علي أراضي طرح النهر بوضع اليد، وهؤلاء لا يكتفون بالاستيلاء علي أراضي طرح النهر ولكنهم يقومون بردم مساحات كبيرة داخل النيل لتبدو كأنها جزء من أراضي طرح النهر، وهذه العصابات للأسف تضم شخصيات ذات نفوذ ورجال أعمال يمتلكون القدرة علي حماية هذه الجرائم والإنفاق ببذخ علي أعوانهم في الجهات المعنية، واستغلال ضعاف النفوس في هذه الجهات وهم قلة من الفاسدين الذين انعدمت ضمائرهم، والنتيجة جرائم تعدي مستمرة علي مجري النيل.

أما "أيمن محمود"، موظف فيقول: لا يمر عام إلا ونري العديد من العمارات والأبنية المخالفة ترتفع علي جانبي النيل، خاصة في مدينة جرجا والقرى المحيطة بها والتي تعتبر من أكثر مراكز سوهاج تعديًا علي النيل، لأنه يتوسط المركز ويقسمه لشطرين، خاصة منطقة خور جرجا، التي نشأت بها منطقة سكنية عشوائية، بعد أن قامت الوحدة المحلية لمركز ومدينة جرجا بردم أجزاء كبيرة من شاطئ نيل جرجا مما أدى إلي قيام الأهالي بردم أجزاء أخرى بطريقة عشوائية لإقامة مساكن، دون الحصول علي تراخيص، خاصة في أعقاب ثورة يناير وما شهدته من غياب أمني، وتراخي لقبضة الدولة، ونفس الحال بقرية الكولا بمركز أخميم، ومناطق عديدة من مركز المراغة.

اغتصاب النيل بمباركة المسئولين
ـ كما يؤكد الدكتور "وائل الحضري" الباحث بمعهد البحوث الزراعية بشندويل، أن النيل أحد محاور الأمن القومي لمصر، ولا ينبغي أن يترك ملف التعدي عليه في يد المتقاعسين، كما لا يمكن أن تغض الدولة الطرف عن مجموعة من المرتزقة اتخذوا عملية التعدي علي النيل وسيلة سريعة لكسب الملايين، حتى أصبحت محافظة سوهاج هي الوحيدة التي تمكن فيها مجموعة من المرتزقة من اغتصاب كورنيش النيل وسلبه من المواطن السوهاجي، حيث تم التعدي علي النيل بشكل صارخ وبناء كتل أسمنتية علي جانبيه تكاد تحجبه تمامًا خلفها، وأهم هذه التعديات الفندق السياحي الذي يمتلكه رئيس مجلس محلي سابق وأحد رموز الحزب الوطني المنحل، علي كورنيش النيل الشرقي بمدينة سوهاج، الذي بناه في مطلع الألفية الثالثة، وقام مؤخرًا بتعلية 3 أدوار مخالفة ليحجب النيل خلفه تمامًا بالمخالفة لكل القوانين.

ـ من جانبه يؤكد عصمت سليم، القيادي الناصري، أن هناك اهمال شديد من المسئولين والقائمين علي حماية النيل بسوهاج، مما ترتب عليه وجود العديد من المصانع والأبراج والعمارات السكنية المخالفة التي تقوم بصرف مخلفاتها بمياه النيل، مثل مصنع السكر بجرجا ومصنع الهدرجة بسوهاج، حتى تحولت المياه بالقرب من مصنع سكر جرجا إلى اللون القاتم بسبب المخلفات الصناعية وزيوت المصنع التي تلقى بالنيل، بالمخالفة لأحكام قانون حماية نهر النيل والمجاري المائية رقم 48 لسنة 1984 ومنشور وزارة المائية رقم 6 لسنة 2012، وهناك عدة محاضر قام جهاز شئون البيئة بتحريرها ضد المصنع، بعد أن قام بسحب عينة من مياه الصرف النهائي للمصنع، وكانت نتيجة التحاليل إنها غير مطابقة للمعايير.

كما أن الأبراج السكنية المشبوهة التي بنيت بليل، والتي يغض المسئولون الطرف عنها تمتد علي كورنيش النيل الغربي بمدينة سوهاج من نادي التجديف جنوبًا حتى نجع سعد الله شمالاً، بمسافة حوالي 7 كيلو متر، ولقد قامت الحكومة بالبدء في التعدي علي النيل بسوهاج، بإنشاء أندية عليه التهمت الكورنيش الشرقي للنيل، مثل أندية المهندسين، وضباط الشرطة، والأطباء، ونادي المحليات.

كوب ماء بطعم المجاري والقمامة
ـ كما تؤكد الدكتورة "رانيا خالد" من المهتمين بشئون البيئة، أن عمليات التعدي علي النيل بسوهاج لا تتوقف علي البناء المخالف وأعمال الردم، ولكن هناك قرى ونجوع تقع علي النيل مباشرة، محرومة من الصرف الصحي، يقوم أهلها بصرف مخلفات مياه الصرف الصحي علي النيل، كما يقومون بإلقاء القمامة والمخلفات بمياه النيل، وهذه القرى منتشرة في مراكز جرجا والبلينا ودار السلام والمنشاة وأخميم، والمراغة وطهطا وطما.

ولا تتوقف عمليات صرف المخلفات الآدمية في مياه النيل علي الأهالي فقط، بل أن هناك عدة وقائع ضبط خلالها سيارات صرف صحي تابعة لمجالس المدن والأحياء بإلقاء مخلفات الصرف الصحي بمياه النيل، بسبب تكاسل سائقيها والقائمين عليها، عن الذهاب إلي أماكن تجميع هذه المخلفات بالأماكن المحددة لذلك بالظهير الصحراوي، ويقوم بصرفها في مياه النيل، وتعددت هذه الوقائع المثبتة في محاضر رسمية، إحداها أثناء مرور ضباط من مركز شرطة المنشاة، لتفقد الحالة الأمنية بدائرة المركز، فضبطوا سيارة كسح، تقوم بإلقاء مخلفات الصرف الصحي بمياه النيل.

كما تم ضبط سيارة أخرى عن طريق قسم البيئة والمسطحات المائية بمديرية أمن سوهاج، أثناء تفريغها حمولتها بترعة مياه عذبة بقرية الأحايوة شرق، كما تم ضبط سيارات كسح بقرية نيدة التابعة لمركز أخميم، تقوم بإلقاء مخلفات الصرف الصحي داخل مياه النيل، وجميع هذه الوقائع مثبتة بمحاضر رسمية، حتى قام بعض الأهالي بمدينة المنشاة ، بالتقدم ببلاغ في مركز شرطة المنشاة، ضد رئيس مجلس المدينة ونائبه، بسبب قيام سيارات مجلس المدينة بإلقاء مخلفات القمامة والصرف بمجري نهر النيل.

ويؤكد علي ذلك "حسين السيد" موظف، ويضيف: لا تتوقف عمليات إلقاء مخلفات الصرف بمياه النيل بسوهاج، علي سيارات الكسح التابعة للحكومة، ولكن هناك بعض الجمعيات والأهالي بتشغيل سيارات خاصة لكسح مياه الصرف، وهذه السيارات تهدف للربح دون مراعاة لعواقب تلوث مياه النيل والترع، التي يشرب منها جميع سكان سوهاج، وتقوم بإلقاء هذه المخلفات فيها، خاصة أن معظم هذه السيارات تعمل في فترات المساء، بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية، كما أن ظاهرة العائمات والفنادق النيلية التي انتشرت بشدة في سوهاج، في الآونة الأخيرة، والتي تقوم بصرف مخلفاتها بمياه النيل، تعمل علي مزيد من التلوث للنيل.

المسئولون يهربون والمحافظ يتصدى بنفسه
ـ ونظرًا لخطورة القضية حاولنا التواصل مع المسئولين بمديرية الري بسوهاج، وهيئة حماية النيل، إلا أنهم تهربوا من الرد علي استفساراتنا واتهام المواطنين لهم بالتقاعس، واعتذروا عن الإدلاء بأي بيانات، وهو ما يفسر قيام الدكتور "أيمن عبد المنعم" محافظ سوهاج، بقيادة العديد من الحملات بنفسه، للتأكد من إزالة مخالفات على مجرى النيل، أشهرها قيامه بحملة مدعومة من الوحدات المحلية وقوات الشرطة بقرية الكولة بمركز أخميم، أسفرت عن ازالة 13منزلاً على أراضي طرح النهر , عبارة عن منازل مبنية بالطوب والاسمنت ويصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 3 طوابق وأصر " عبد المنعم" على استكمال الحملة حتى المراحل النهائية لإزالة للمنازل.

وأكد المحافظ أنه لن يتهاون علي الإطلاق مع أية تعديات على أملاك الدولة أو الأراضي الزراعية، وأن مهمة المحافظة، هي حماية أملاك الدولة من خلال تطبيق القوانين على كافة المواطنين دون النظر إلى طبقاتهم الاجتماعية مشيرًا إلى أن الفترة القادمة ستشهد تنفيذ ازالة برجين من الأبراج الشاهقة بالمحافظة، مخالفة للقواعد والقوانين .