رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"نيل المنيا" يصرخ من التلوث والتعديات

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

حالة من التفاؤل والسعادة سيطرت على أهالي محافظة المنيا عند إطلاق الدولة ممثلة في وزارة الري وثيقة إنقاذ نهر النيل من التعديات والتلوث، وزادت حالة التفاؤل عندما تم اختيار المحافظة كمحطة أولى للبدء في تنفيذ تلك الوثيقة وبالفعل قام الدكتور حسام مغازى وزير الموارد المائية والري ، يرافقه اللواء صلاح الدين زيادة محافظ المنيا في ذلك الوقت واللواء أسامه متولي مدير أمن المنيا الأسبق بحملة مكبرة لإزالة التعديات على نهر النيل بالتنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية والتنفيذية بالمحافظة
 
وبدأت الحملة بتنفيذ أعمال الإزالة لعدد من الوحدات التابعة لفندق جراند آتون على البر الأيسر لنهر النيل إضافة إلى تنفيذ أعمال إزالة لعدد من المباني المقامة بالمخالفة على نهر النيل بمحيط مدينة المنيا.

ورغم تأكيدات الوزير أن الحملة تأتي في إطار توجهات الدولة ومضيها قدمًا نحو إزالة كافة أشكال التعديات على طول مجرى نهر النيل وفرعيه وجميع المجاري المائية، كما تأتي تتويجًا لوثيقة إنقاذ نهر النيل والهادفة إلى مشاركة كافة أطياف المجتمع في الحفاظ على نهر النيل من التعديات والتلوث مؤكدًا إصرار الحكومة وعزمها على تطبيق القانون بلا هوادة على الجميع ودون تفرقة بين المواطنين من أجل ترسيخ هيبة الدولة.

إلا أنه وبمجرد انتهاء زيارة الوزير ومغادرته للمحافظة بقى الحال كما هو عليه واستمرت التعديات القديمة سواء بالبناء على جانبي النيل أو تلوثه بمخلفات الصرف الزراعي والصناعي لتتبدد معه حالة التفاؤل ويحل محلها الإحباط واليأس.

ويعد مصرف المحيط شمال محافظة المنيا كارثة صحية وبيئية وصفها بعض المتخصصين بأنها وصمة عار في جبين المحافظة لما تمثله من تلوث يهدد حياة المواطنين سواٍء فى مياه الشرب حيث يصب المصرف كميات هائلة من مخلفاته بالنيل أو من ناحية الغذاء بعد قيام المزارعين الذين يمتلكون أراضى مجاورة له باستخدام مياهه في ري مزروعاتهم بجانب الروائح الكريهة والتي أصبحت علامة تميزه يشعر بها كل من يمر بجانبه حيث يقع على الطريق الزراعي السريع.

يقول الدكتور ناصر بركات أستاذ البيئة النباتية بكلية العلوم جامعة المنيا إن مصرف المحيط مشكلة كبيرة في المحافظة وتم بذل العديد من الجهود لمعالجته إلا أنها تعطلت فالمصرف الذي يبلغ طوله 56 كيلو متر يبدأ من ملوي جنوب المحافظة وينتهي عند قرية أطسا بسمالوط شمالًا ويصب في نهر النيل ووجوده كان طبيعيا وأساسيا للصرف الزراعي لأن مخلفاته ليست عالية الخطورة وبالتالي لم تكن هناك خطورة في أن يصب بنهر النيل طبقا للقانون 148 وهو إجراء طبيعي.

ولكن الكارثة بدأت عندما بدأ المصرف يتلقى مخلفات الصرف الصناعي ومخلفات محطات الصرف الصحي التي بدأت تصب فيه كل ملوثاتها ومخلفاتها ومنها ملوثات مصنع السكر بأبو قرقاص والتي تتضمن مواد كيماوية في الغسيل وأيضا محطات الصرف الصحي التي تستوعب على سبيل المثال 32 متر مكعب إلا أنة يأتي إليها 140 ألف متر مكعب وبالتالي لا تستطيع المحطات معالجة هذه الكمية فتلقيها في المصرف دون معالجة.

ويؤكد بركات أن للمصرف العديد من الأضرار منها الرائحة الكريهة التي أصبحت علامة مميزة لمحافظة المنيا فالذي يمر بمصرف المحيط يعرف أنه فى المنيا من هذه الرائحة بالإضافة إلى أن هذه الرائحة تجعل المواطنين في حالة عصبية شديدة وأيضا انتشار الناموس والذباب والحشرات بالمصرف والتي تضر بصحة المواطنين.

وأضاف الدكتور محمد نجيب قناوي الأستاذ بكلية الزراعة جامعة المنيا أن مصرف المحيط وصمة عار في جبين محافظة المنيا ويصب به كل الملوثات مثل مخلفات مصنع أبو قرقاص والصرف الصحي بقرية تله بالإضافة إلى كل مخلفات الصرف الزراعي وكان تقريٌر لإدارة البيئة بالمحافظة قد كشف أن نهر النيل يتلقي يوميًا ٩ آلاف متر مكعب من المياه الملوثة من مصرف «المحيط» الذي يصب في مركز ديروط بأسيوط وينتهي في نهر النيل شمال مدينة المنيا بطول يبلغ ١٥٠ كيلو مترًا.

وأكد التقرير أن المصرف كان مخصصا للصرف الزراعي لكنه أصبح يستقبل الصرف الصحي من المدن والقرى المطلة عليه والمخلفات الصناعية من مصنع أبو قرقاص للسكر، فضلًا عن تفريغ محتويات سيارات الكسح به، ويصل إجمالي كل هذه المخلفات إلى نحو ٩ آلاف متر مكعب يومياً تصل جميعها إلى نهر النيل.

كما أوضح التقرير أن المخلفات تتكون من صرف زراعي لعدد ١٠٥ آلاف فدان وتشكل نسبة ٩٠% من إجمالي المخلفات، و٧% صرفا صناعيا، و٣% صرفا صحيا وأن معدل الصرف في نهر النيل يبلغ ٥.١٩ متر مكعب في الثانية الواحدة وأن نواتج الصرف الزراعي محملة بالمبيدات، ومخلفات شركة السكر محملة بالمواد الكيميائية.

وطالب التقرير بمعالجة ثلاثية قبل الصرف لتحليل المواد الكيميائية وترسيب الملوثات قبل صرفها في النيل، كما طالب بتكليف جامعة المنيا بإعداد الدراسات اللازمة للقضاء على هذه المشكلة.

وكان عدد من المواطنين والفنيين قد تقدموا بعدة شكاوى لمحافظ المنيا الأسبق من عمل محطة معالجة مياه الصرف الصحي بقرية تله والتي تصب مياهها فى مصرف المحيط ومطالبتهم ببحث مصادر تلوث مياه المصرف خاصة في ظل استيعاب المحطة كميات أكبر من المخصصة لأجلها ومقدارها 30 ألف متر مكعب / يومي وعدم قدرتها على معالجة المياه بالشكل السليم قبل عملية الضخ والصب فى المصرف المخصص لها.

الغريب أن تعديات البناء على جانبي النيل وخاصة بمدينة المنيا والتي تقف واضحة وضوح الشمس للجميع لم تكن من المواطنين أو الأفراد فقط بل امتدت للجهات والهيئات الحكومية فتبدأ التعديات بداية من منتجع حورس السياحي مرورًا بفندق جراند آتون وهما التعديان الـلذان ينتفع من ورائهما رجل أعمال ثم تبدأ التعديات الحكومية من نادي أعضاء هيئة التدريس ثم المشتل فنادي الشرطة ونادي القضاة والمسرح المكشوف والذي قام بسببه المسئولون عن الري بالمحافظة في عام 2005 بتحرير مخالفة ضد محافظ المنيا لقيامه بردم مساحات من النيل لتوسعة المسرح وعلى الجانب الشرقي المتحف الآتوني.

الجدير بالذكر أن مخالفات التعدي على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة ونهر النيل بالمنيا بدأت تظهر منذ منتصف التسعينيات عندما كشفت حملة الإزالات التي قام بها اللواء منصور عيسوي محافظ المنيا الأسبق عام ١٩٩٦ عن أكبر مافيا للتعدي على أملاك الدولة بمنطقة أبوفليو شرق النيل.