ظلام العصور الوسطى.. والتنوير

من المعروف أن أوروبا فى العصور الوسطى كانت تعيش فى حالة من الظلام الفكرى الدامس، وكانت واقعة تحت ضغط سلطة مؤسسة دينية طاغية تتعقب المفكرين أينما كانوا، وقد ظل الصراع هناك محتدماً بين العلم والدين وبين المفكرين واللاهوتيين قروناً عديدة، وقد تمخض هذا الصراع عن انتصار الفكر وتقلص السلطة الدينية واستقلال العلم عن الدين، وقد قاد الانطلاقة الفكرية فى القرنين السابع عشر والثامن عشر العديد من المفكرين التنويريين وبخاصة «جون لوك» و«دفيد هيوم» و«نيوتن» فى إنجلترا، و«فولتير» و«الموسوعيون» فى فرنسا، و«ليبنتز» و«ليسنغ» و«كانت» على وجه الخصوص فى ألمانيا، وأصبح مفهوم التنوير يمثل حركة عقلية أوروبية رأت فى العقل الوجود الحقيقى للإنسان، وسعت إلى تحرير الحضارة من الوصاية الدينية والنزعات الغيبية والخرافات، ودعت إلى التسامح، وآمنت بتقدم الإنسانية عن طريق تشكيل الحياة على أسس طبيعية وعقلية وعن طريق البحث العلمى.

ولم يكن التنوير يهدف فقط إلى الثقافة الأخلاقية للقلب وللعقل على المستوى الفردى، وإنما كان يهدف أيضاً إلى تغيير المجتمع والسعى إلى ما يعود على البشرية بالخير والسعادة والمنفعة، ومفهوم التنوير الأوروبى يعنى التحرر من التعاليم الموروثة التى تم القبول بها على أساس سلطة ما، كما يعنى إعادة صياغة الحياة على أساس من النظر العقلى وإرادة العمل عن طريق العقل .

ويرجع الفضل إلى الفيلسوف الألمانى « كانت» فى استخدام هذا المصطلح كتعبير عن الحركة العقلية التى بدأت فى أوروبا فى القرن السابع عشر وبلغت أوجها فى القرن الثامن عشر، وقد امتد تأثيره فى الحضارة الأوروبية كلها وفى الشعوب المتأثرة بالحضارة الأوروبية، ويحدد « كانت « هذا المصطلح بقوله: «إنه خروج الإنسان من مرحلة اللارشد التى تسبب هو فيها - واللارشد يعنى عجز الإنسان عن استخدام عقله دون معونة من غيره- وشعار التنوير هو : لتكن لديك الشجاعة فى استخدام عقلك .. وليس التنوير فى حاجة إلا إلى الحرية » - من الواضح أن مفهوم التنوير كما شاع فى الفكر الأوروبى قد ركز على العقل الإنسانى وضرورة التمسك به، والتحرر من كل شكل من أشكال السلطة المقيدة لحرية هذا العقل بما فى ذلك سلطة الدين نفسه وليس فقط السلطة الدينية المتمثلة فى اللاهوتيين .

فهل ما نحتاجه من تنوير إسلامى يجب أن يكون على هذا النحو الذى أشرنا إليه أم أننا نحتاج إلى طريقة أخرى ؟