رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاقات مصر بروسيا.. تاريخية


لاشك أن علاقات مصر بروسيا لها خصوصيتها، فبجانب أنها علاقات متنوعة فهى متجذرة فى أعماق الشعبين، وكأى علاقات لابد من أن تشوبها سحابة الصيف سريعاً ما تنقشع. فهناك بعض الدول لا يسعدها هذا التقارب المصرى ــ الروسى. فتبذل كل الطرق الشريفة وغير الشريفة لإفشاله والتاريخ يسجل ما شاب العلاقات المصرية السوفيتية من بعض الشوائب فبعد عقد مصر اتفاقية الجلاء مع بريطانيا عام ١٩٥٤، اعتبرت روسيا هذا الاتفاق ثمرة للضغط على بريطانيا ومصر وأنه تدعيم للخطط الأمريكية فى الشرق الأوسط، ثم شهد عام ١٩٥٥ نقطة تحول فى هذه العلاقات، حيث رحب الاتحاد السوفيتى بموقف عبدالناصر من اتخاذ سياسة عدم الانحياز ومعارضته حلف بغداد فى مؤتمر باندوج عام ١٩٥٥، كما شكلت صفقة الأسلحة السوفيتية عام ١٩٥٥ بداية علاقات قوية متطورة بين البلدين.

ولا ننسى إعلان الاتحاد السوفيتى تأييده الكامل لتأميم قناة السويس عام ١٩٥٦، وموقف الزعيم الروسى خريشوف الايجابى من العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦، فقد وجه هذا الزعيم إنذاراً لإنجلترا وفرنسا، بضرب لندن وباريس بالصواريخ السوفيتية وطالب إسرائيل بوقف العدوان فوراً وطلب من السفير الروسى فى إسرائيل الإسراع بالتوجه إلى موسكو، وبلغت قمة العلاقات عند توقيع اتفاقية بناء السد العالى عام ١٩٥٨ وقصة العلاقات الحميمة بين مصر وروسيا قصة طويلة تحتاج إلى مجلدات، ولكنى هنا أحاول التقاط بعض النقاط الشديدة الإضاءة لعرضها فى هذه العجالة.

فمع بداية قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ مرت مصر بأزمة اقتصادية حادة، إذ لم تصدر محصول القطن فى هذا العام وهو السلعة الاستراتيجية الوحيدة، التى تعول عليها فى التصدير، مما تسبب فى حدة الأزمة الاقتصادية بعد امتناع الغرب عن شراء القطن، واستطاع الوفد الاقتصادى المصرى الذى توجه إلى موسكو توقيع أول اتفاقية بين مصر والاتحاد السوفيتى عام ١٩٥٣، على أن تدفع مصر ما تحتاجه من الاتحاد السوفيتى مقابل الصادرات المصرية، وامتدت هذه العلاقات للنواحى السياسية، فعندما قدمت إسرائيل شكوى ضد مصر فى مجلس الأمن عام ١٩٥٤ بخصوص القيود التى تفرضها مصر على إسرائيل فى المرور بقناة السويس استخدم السوفيت حق «الفيتو» ضد هذه الشكوى.

ولا ننسى ما قدمه الاتحاد السوفيتى من قروض ميسرة وخبراء وعمال فنيين وغيرهم، عند إنشاء السد العالى بعد أن رفض البنك الدولى ــ بتوصية أمريكية ــ معاونة مصر حتى لا يتم المشروع، ولاستمرارية هذه العلاقات الحميمية فقد تم الاتفاق بين مصر وروسيا فى ١٩ نوفمبر ٢٠١٥ على إنشاء أربعة مفاعلات ذرية بطاقة ٤٦٠٠ ميجاوات بغرض الاستخدام السلمى للطاقة الذرية لتوليد الكهرباء بقرض روسى مدة سداده تصل إلى ٣٥ عاماً، وهو من الجيل الثالث. ويمثل هذا المشروع تعزيزاً للعلاقات الاستراتيجية بين مصر وروسيا على المدى الطويل